في خطوة غير مسبوقة تعكس الحس الإنساني العميق والرؤية البعيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، جاء القرار الملكي الحكيم بإلغاء الاحتفال بعيد الأضحى لهذه السنة، كاستجابة مباشرة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، وتجسيدًا حقيقيًا لمفهوم إمارة المؤمنين في أسمى تجلياتها.
استجابة لواقع معيش وضغوط اجتماعية متزايدة
جاء القرار في سياق اقتصادي ومناخي بالغ التعقيد. فقد تراكمت في السنوات الأخيرة موجات الجفاف المتوالية التي أثرت على القطاع الفلاحي، وتراجعت أعداد الماشية بشكل غير مسبوق، في وقت ترتفع فيه أسعار الأعلاف والمحروقات والمواد الأساسية. كل هذا جعل الأضحية عبئًا لا يُحتمل لعدد كبير من المواطنين، بل تحوّلت إلى همّ اجتماعي يُهدد توازن ميزانيات الأسر، لا سيما ذات الدخل المحدود.
الأضحية ليست فريضة: القرار منسجم مع مقاصد الشريعة
من الناحية الشرعية، يتماشى القرار مع الفقه الإسلامي الذي لا يُوجب الأضحية على المسلم العاجز عنها. فالأضحية سُنّة مؤكدة، ولا يجوز أن تتحول إلى حرج اجتماعي أو ضغط اقتصادي. وقد أجاز العلماء تركها في حال العسر، وهو واقع تعيشه شريحة واسعة من المواطنين اليوم.
تخفيف العبء عن الأسر.. وتكريس للعدالة الاجتماعية
اعتاد المغاربة على استقبال عيد الأضحى بفرحة ممزوجة بقلق، بسبب المصاريف الكبيرة التي ترافق المناسبة. فاقتناء الأضحية لم يعد أمرًا ميسورًا للجميع، بل تحول لدى البعض إلى التزامات مالية ترهق ميزانية الأسرة، وأحيانًا تُؤدّى بثمن الاستدانة أو بيع الضروريات.
دلالات اقتصادية عميقة.. نحو نموذج استهلاك عقلاني
من جهة أخرى، يحمل القرار أبعادًا اقتصادية لا تقل أهمية. فالعيد غالبًا ما يُرافقه ارتفاع غير مبرر في أسعار الأضاحي، واستنزاف للموارد المالية للأسر، فضلًا عن مظاهر التبذير، وانتشار النفايات والضغوط البيئية.
تجديد للبيعة الاجتماعية.. ومظهر من مظاهر القرب الملكي
لطالما برهن جلالة الملك محمد السادس على قربه من المواطنين، واستماعه لهمومهم، وقدرته على اتخاذ قرارات جريئة تراعي مصالحهم، حتى وإن تعارضت مع المألوف أو التقليد.
ردود فعل شعبية إيجابية.. وتفاعل دولي مشيد
لاقى القرار ترحيبًا واسعًا في الأوساط الشعبية، حيث عبّر عدد من المواطنين، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عن ارتياحهم لهذه المبادرة الملكية. واعتبروها قرارًا شجاعًا واستثنائيًا يضع حدًا للمعاناة الموسمية التي تتكرر كل عيد.
مناسبة للتأمل.. وفرصة لإعادة ترتيب الأولويات
في ظل هذا القرار، يجد المجتمع المغربي نفسه أمام فرصة ثمينة للتأمل في جوهر الشعائر، بعيدًا عن مظاهر الترف والمبالغة. فالعبادات ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتهذيب النفس وبناء مجتمع متضامن ومتراحم.
نحو عيد أضحى روحي.. بلا أضاحٍ تثقل الكاهل
قد يُشكّل قرار إلغاء عيد الأضحى مناسبة لإعادة إحياء روح العيد في أبعادها المعنوية، عبر تكثيف صلة الرحم، وصلاة الجماعة، والتصدق على المحتاجين، دون الارتباط بأضاحٍ تُثقل كاهل المواطن وتُفقد المناسبة بُعدها الروحي.
القرار بين الحكمة والرحمة
القرار الملكي بإلغاء عيد الأضحى لهذا العام هو تجسيد حقيقي لما يمكن تسميته “السيادة الرحيمة”، حيث تلتقي الحكمة السياسية بالبصيرة الاجتماعية، ويندمج البُعد الديني بالمسؤولية الواقعية.
A.Boutbaoucht