الباعة المتجولون: جدل برلماني وصراع رؤى… وأين الحلول المنصفة؟

تساؤلات برلمانية في مواجهة تحفظات محلية حول وضعية الباعة المتجولين

أثار النائب البرلماني عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، خالد الشناق، قضية الباعة المتجولين من خلال سؤال شفوي آني وجهه إلى وزير الداخلية، مسلطًا الضوء على “الوضعية الصعبة” التي يعيشونها جراء التضييقات اليومية ومصادرة سلعهم. ودعا النائب إلى ضرورة إيجاد فضاءات منظمة تمكن هذه الفئة من ممارسة نشاطها في ظروف تحفظ كرامتها وتخفف من معاناتها الاقتصادية والاجتماعية.

يعكس هذا السؤال البرلماني رؤية تعتبر الباعة المتجولين مكونًا أساسيًا من مكونات الاقتصاد غير المهيكل، الذي يمثل شريان حياة للكثير من الأسر المغربية التي تعتمد عليه لتأمين قوتها اليومي. كما يطرح السؤال إشكالية غياب سياسة واضحة تهدف إلى دمج هذه الفئة في النسيج الاقتصادي بشكل منظم وعادل.

في المقابل، أثار رد رئيس جماعة القليعة محمد بكيز جدلاً واسعًا، حيث اعتبر أن “الباعة المتجولين لن يتقبلوا حل الفضاءات المنظمة”، مبررًا موقفه بأن حجم مبيعاتهم في الشارع يفوق بكثير ما يمكن تحقيقه داخل الأسواق الرسمية. ورأى أن هؤلاء الباعة يفضلون العمل خارج أي إطار رقابي أو تنظيمي، ربما سعيًا لتحقيق أرباح أكبر، وهو ما يشكل – من وجهة نظره – عائقًا أمام التدبير المحلي المنظم.

يكشف هذا التصريح عن تعارض بين منطقين:

منطق الحماية الاجتماعية: الذي يتبناه السؤال البرلماني، وينظر إلى الباعة المتجولين كفئة هشة تستحق الدعم والإدماج.
منطق التدبير الأمني والتنظيمي: الذي يتبناه بعض المنتخبين المحليين، والذين يرون في هذه الفئة مصدرًا للفوضى وتشويهًا للمجال العام.
من يدفع الثمن؟ معاناة مستمرة في ظل غياب الحلول
في خضم هذا النقاش المحتدم، يبقى الباعة المتجولون والمواطنون العاديون هم الطرف الأكثر تضررًا. فمن جهة، يعاني الباعة من عدم استقرار مصدر رزقهم بسبب المضايقات الأمنية المستمرة، ومن جهة أخرى، تفتقر العديد من المدن إلى بنية تحتية تجارية قادرة على استيعاب هذه الفئة وتوفير بدائل قانونية ومنصفة لها.

إن غياب رؤية متكاملة لمعالجة إشكالية الاقتصاد غير المهيكل يجعل الحلول الترقيعية، سواء كانت ذات طبيعة أمنية أو اجتماعية، قاصرة عن معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة. فهل من المنطقي الاستمرار في التعامل مع هذه القضية بمنطق الإقصاء أو المواجهة، دون السعي الجاد لإيجاد حلول عملية مثل إنشاء أسواق شعبية منظمة، أو تمكين الباعة من الحصول على تراخيص بأسعار رمزية، أو دعمهم للانتقال التدريجي إلى الاقتصاد المهيكل؟

نحو مقاربة شاملة: التوفيق بين التنظيم والعدالة الاجتماعية
لا يمكن إنكار أن الفوضى التي يخلفها انتشار الباعة المتجولين في بعض الأحياء يشكل تحديًا حقيقيًا للمنتخبين، لكن الحل الأمثل لا يكمن في القمع أو الإقصاء، بل في تبني سياسات تزاوج بين:

التنظيم المحكم: من خلال تخصيص فضاءات آمنة ومنظمة لممارسة البيع.
الدعم الاجتماعي: عبر برامج للتكوين والتأهيل تساعد الباعة على الاندماج في القطاع الرسمي.
التشجيع الاقتصادي: من خلال منح قروض صغيرة أو إعفاءات ضريبية مؤقتة لتسهيل انتقالهم إلى النشاط المهيكل.
حان وقت الحلول الجريئة والشاملة

إن الصراع بين الرؤى البرلمانية التي تطالب بحماية الباعة المتجولين والتصريحات المحلية التي تعتبرهم عبئًا تنظيميًا، يؤكد الحاجة الملحة إلى سياسة وطنية شاملة تعالج هذا الملف بعيدًا عن المقاربات الأمنية الضيقة أو الاجتهادات الفردية المحدودة.

إن الدولة مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى خلق توافق حقيقي بين جميع الأطراف المعنية – الحكومة، البرلمان، الجماعات الترابية، وجمعيات المجتمع المدني – من أجل وضع استراتيجية واضحة تحفظ كرامة الباعة المتجولين وتضمن حقوقهم، وفي الوقت نفسه تحافظ على التنظيم الحضري للمدن. فالباعة المتجولون ليسوا مجرد “مشكلة”، بل هم مواطنون يساهمون بشكل أو بآخر في الدورة الاقتصادية، ويستحقون حلولًا عادلة تخرجهم من دائرة التهميش إلى فضاء الاندماج والاستقرار.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬323