أمنيون خدام بارونات…”اللي حصل يودي”

مسؤولون في الدرك والشرطة تواطؤوا مع عصابات مخدرات قبل الزج بهم وراء القضبان
وقائع الإطاحة بأمنيين من درك وشرطة، متورطين في قضايا إجرامية خطيرة تتعلق بالمخدرات، شكلت حدث هذا الأسبوع، بعد أن أماطت صفة الموقوفين اللثام عن أشخاص انزاحوا عن أداء القسم في خدمة الوطن والمواطنين، بعد أن عطلوا ضميرهم المهني لا لشيء سوى لتحقيق الاغتناء غير المشروع.

كشف اعتقال أمنيين بشكل متتال في قضايا تهريب أو الاتجار في المخدرات، أن هناك نواقص تعتري الجهاز الأمني، قبل أن يصدر الجواب عن الجهات المسؤولة بأن التخليق أمر لا حياد عنه وأن القانون فوق الجميع مهما كانت صفة ورتبة المتورط.
ورغم مجموعة من القضايا التي انتهت بإيقاف أمنيين في جهاز الدرك أو الشرطة أو القوات المساعدة، إلا أن “الصباح”، ارتأت الاكتفاء بعرض البعض منها، باعتبارها مثالا حيا على مساهمة الطمع في وقوع من يُفترض فيهم السهر على تطبيق القانون في المحظور، وكيف تمت معالجة هذا النوع من الانزلاقات المعزولة بجدية وحزم حتى لا تسيء إلى نساء ورجال نذروا حياتهم من أجل خدمة الوطن وحماية أبنائه.

عصابة حمدون… نقطة أفاضت الكأس
«ماشافوهمش كيسرقو وشافوهم ملي كيتقاسمو»، مثل يصلح إسقاطه على قضية “عصابة حمدون”، بعدما تسبب تداول تسجيل صوتي يعود لبارون المخدرات المعروف ب”حمدون” في هزة بإقليم الجديدة، انتهت بجر عشرات المسؤولين والدركيين إلى التحقيق، أحالته فرقة مكافحة المخدرات التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالبيضاء رفقة شقيقه، على أنظار النيابة العامة المختصة بمحكمة الاستئناف بالجديدة.
وبالعودة إلى قضية هذا الأسبوع، اتجهت أنظار الرأي العام الوطني، إلى الاعتقالات التي طالت عددا مهما من الدركيين والمسؤولين في الجهاز، بعدما استطاعت مصالح الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، فك لغز التسجيل الصوتي، الذي تم تداوله على نطاق واسع، منسوب لبارون مخدرات شهير بإقليم الجديدة، طالب من خلاله عشرات المسؤولين، باسترجاع مبالغ مالية كبيرة، منحها لهم في ظروف مشبوهة، يرجح أنها لها علاقة، بصفقات مشبوهة حول الاتجار الدولي للمخدرات.
وبالموازاة مع تقديم بارون المخدرات صاحب التسجيل الصوتي وشقيقه، أمام الوكيل العام للملك، لدى محكمة الاستئناف بالجديدة، باشرت عناصر الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية، التابعة للقيادة العليا للدرك الملكي بالرباط، أبحاثا وتحقيقات أولية مكثفة، تحت إشراف النيابة العامة، مع ما يناهز 14 عنصرا من العناصر الدركية، يشتغلون بمراكز متفرقة، تابعة للقيادة الجهوية للدرك الملكي بالجديدة، يشتبه في علاقتهم بشبكة للاتجار الدولي بالمخدرات، التي يتزعمها البارون المعروف بـ”حمدون”، الموضوع رهن الحبس الاحتياطي.
وبعد إحالة المتهمين على قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالجديدة، أمر بإيداع 3 دركيين من أصل 14 برتب مختلفة وتشتغل بمراكز متفرقة بإقليم الجديدة السجن المحلي نواحي المدينة، فيما تابع الباقي في حالة سراح بعد استنطاق المتهمين ابتدائيا، في انتظار الشروع في الاستنطاق التفصيلي وإجراء المواجهات المباشرة.
وجاء أمر قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالجديدة، بعدما جرى استنطاق جميع رجال الدرك الملكي على اختلاف رتبهم، المتابعين على خلفية القضية المعروفة إعلاميا بملف “عصابة حمدون بارون الجديدة”، والتي تتعلق أساسا بالارتشاء والمشاركة، إضافة إلى تسهيل مهام عصابة إجرامية خطيرة، تنشط في مجال الاتجار الدولي للمخدرات، عبر المسالك البحرية، للشريط البحري بإقليم الجديدة.
وينتظر أن يكشف إخضاع البارون وشقيق له، للاستنطاق التفصيلي في حالة اعتقال، وإجراء المواجهات المباشرة، مع الموقوفين، عن مفاجآت مدوية يمكن أن تطيح بعدد من المسؤولين الأمنيين والمنتخبين والموظفين، حيث يتحسس المشتبه فيهم رؤوسهم بعدما تناسلت معطيات تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف أن هناك مسؤولين آخرين تربطهم علاقات متشعبة مع البارون حمدون وعصابته.

كلميم…أمنيون وراء القضبان
من بين الحالات التي سلطت الضوء على اختراق عصابات المخدرات للأمنيين، قضية تورط أمنيين بكلميم في خدمة “بزناس كبير”، بعد أن نجحت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، في التصدي لمناورات أباطرة المخدرات في التغرير بالأمنيين لخدمة مصالحها الإجرامية، بعد الإطاحة برجال شرطة من قبل عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، إثر تورطهم في العمل لحساب بارون خطير مبحوث عنه، من أجل الاتجار في المخدرات والقتل والسرقة الموصوفة.
وتم افتضاح أمر الشرطيين اللذين يعملان بالمنطقة الإقليمية للأمن بكلميم والعصابة الإجرامية، بناء على معلومات دقيقة وفرتها المصالح التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “ديستي»، وهي المعطيات التي استثمرتها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بشكل جيد، ما مكن من إيقاف 9 أشخاص متورطين في التزوير واستعماله والاتجار في المخدرات.
وانكشفت عمليات العصابة الإجرامية الخطيرة، بعد أن قرر أحد المشتبه فيهم تزوير وكالة تثبت أنه ممثل قانوني لشركة، بغرض رفع الحجز عن سيارة مسجلة في اسم الشركة المذكورة كانت مودعة بالمحجز البلدي بكلميم، بتواطؤ مع باقي المشتبه فيهم والشرطيين الموقوفين، مقابل مبلغ مالي تم تسلمه على سبيل الرشوة.
وبوشرت أبحاث الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مع الموظفين الأمنيين أيضا، بناء على إصدار تعليمات قضائية بالتحقيق معهما حول أفعالهما الإجرامية الخطيرة، التي تم إحباطها إثر عملية أمنية تم تنفيذها بكلميم.
وتورط الشرطيان في ارتكاب أفعال إجرامية خطيرة، إذ أظهرت التحقيقات، أن الموظفين الأمنيين اختارا استغلال وضعهما الاعتباري وصفتهما الأمنية للدوس على القانون وتغليب مصلحتهما الشخصية بالتستر على مجرم مبحوث عنه والعمل لحسابه، عن طريق التزوير واستعماله، وإفشاء السر المهني، مقابل الاستفادة من مبالغ مالية مهمة.
وارتباطا بعملية الإيقاف، كشفت الأبحاث والتحريات التقنية المنجزة، أن السيارة المحجوزة تعود ملكيتها إلى شخص مبحوث عنه، من أجل قضايا الاتجار في المخدرات والقتل والسرقات الموصوفة، وأنه لم ينقل ملكيتها بشكل رسمي، وذلك باستعمال طرق تدليسية، قبل أن يوعز لباقي المشتبه فيهم تزوير الوكالة المدلى بها لرفع الحجز عن السيارة.

زمن المحاسبة
تكشف عبارة “اللي حصل يودي” أنها ليست شعارا للاستهلاك الإعلامي أو لإبعاد التهم وإلهاء أفراد المجتمع، وإنما حقيقة ساطعة لا يمكن نكرانها، وهو ماتؤكده ملفات محاكمة كبار الشخصيات الأمنية من درك وشرطة، جماعات أو أفرادا، في قضايا متعددة، قبل إدانتهم بعقوبات سالبة للحرية إحقاقا للحق.
ومن القضايا التي سبق لـ”الصباح”، متابعتها وحظيت حينها بمتابعة للرأي العام لصفة المتورطين فيها، ملف قضية ما عرف بـ «13 دركيا» يتابعون بتهمة الارتشاء والمساهمة في التهريب والإخلال بالضوابط المهنية، والتي انتهت بقرار غرفة جرائم الأموال الاستئنافية باستئنافية البيضاء، بتأييد الأحكام الابتدائية المتمثلة في 26 سنة سجنا نافذا.
وقضت هيأة الحكم بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، بإدانة الكولونيل القائد الجهوي للدرك الملكي بكلميم رفقة مساعده، ورئيس كوكبة الدراجين ورئيس سرية طانطان، وعدد من الدركيين بمختلف الرتب.
ورغم المرافعات التي حاولت تبرئة المتهمين من المساعدة على التهريب مقابل الارتشاء، إلا أن اعترافات مساعد القائد الجهوي للدرك الملكي لكلميم، إضافة إلى بعض الدلائل المادية المتجسدة في الحوالات، اعتمدت عليها المحكمة في إدانة المعتقلين لتقفل بذلك حكاية “13 دركيا» ويحكم عليهم بالسجن 26 سنة.

من ظروف التشديد
قال بوشعيب الصوفي محام بهيأة الرباط، إن الاعتقالات التي طالت عددا من الدركيين والأمنيين في قضايا مرتبطة بالمخدرات، تأتي بسبب انخراط الموقوفين ضمن الشبكات الإجرامية بعدما حادوا عن القانون ولم يحتكموا لليمين التي أدوها.
وأضاف الصوفي في تصريح لـ”الصباح”، أن البحث مع عدد من المعتقلين في قضايا المخدرات، كشف خرقهم للقانون وتورطهم في خدمة بارونات وعناصر إجرامية خطيرة عوض محاربتهم من أجل تحقيق مكاسب غير مشروعة.
وأورد المتحدث نفسه، أن سقوط عدد من الأمنيين بمن فيهم ذوو الرتب العليا، إشارة قوية على أن مبدأ المحاسبة أصبح مفعلا في المغرب عكس أحكام القيمة التي كانت سائدة، مشددا على أن كل مسؤول، مهما كانت صفته وأهميته في المجتمع، تورط، سيجد نفسه في مواجهة مع القانون.
وكشف المحامي بهيأة الرباط، أن العقوبة التي تنتظر الدركيين والأمنيين الذين سقطوا في قضايا خدمة عصابات تهريب المخدرات والاتجار فيها، هي عقوبات مشددة، ” لأن الشخص الذي يكون من ذوي الصفات، صفته المهنية ظرف من ظروف تشديد العقوبة، سواء على مستوى جريمة تزوير المحاضر أو تكوين عصابات إجرامية والارتشاء والمشاركة وتسهيل مهام عصابة إجرامية خطيرة، تنشط في مجال الاتجار الدولي للمخدرات”.

“فيسبوكيون”: إشارة قوية لمحاربة الفساد
أجمع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في سياق التفاعل مع عمليات اعتقال أمنيين من شرطة ودرك، بعد أن كشفت التحقيقات تورطهم في خدمة عصابات الاتجار في المخدرات،على استنكار الأفعال الإجرامية المرتكبة من قبل موظفي الأمن الذين عهد إليهم بمحاربة مختلف أشكال الجريمة والسهر على تنفيذ القانون، وكيف أصبح بعض عديمي الضمير يستغلون صفتهم الأمنية ووضعهم الاعتباري للتواطؤ مع مجرمين لا لشيء سوى لتحقيق الاغتناء السريع ولو كان بطرق غير مشروعة.
وفي هذا الصدد اختارت “الصباح” عددا من التدوينات التي حفل بها الفضاء الأزرق.
«في الحقيقة افتضاح عدد من الأمنيين وكبار المسؤولين في جهاز الدرك والشرطة ناقوس خطر لتدقيق المراقبة وتحصين هذه الفئة من كل الإغراءات سواء بتفعيل جانب المراقبة القبلية والتصريح بالممتلكات وتشجيع المتفانين في العمل بتكريمات للقطع مع مظاهر الفساد”.
«آن الأوان لإعادة النظر في القانون، بتشريعات جديدة، من أجل إنزال أقصى العقوبات الحبسية على من يفكر في استغلال منصبه للتواطؤ مع الفاسدين، وتحقيق الاغتناء غير المشروع على حساب تدمير المجتمع”.
«وجب تعميق البحث مع البارون حمدون مادام أنه كان يتعامل مع سياسيين وأمنيين بإقليم الجديدة. هذه الاعتقالات هي إشارة على أن عهد استغلال النفوذ انتهى”.
«جهاز الدرك الملكي والشرطة جهازان محترمان إلى حد كبير، عيب وعار يكونو فيهم عناصر بحال هادو، لا يمكن أن تذهب تضحيات أمنيين نذروا حياتهم في سبيل خدمة الوطن سدى، والإساءة إلى صورتهم بسبب حالات معزولة، الحمد لله مازال باقي الخير”.
«أعتقد أن الاعتقالات التي طالت عددا كبيرا من الدركيين والشرطة في عمليات متفرقة وفي مناسبات مختلفة تجمعهم جريمة خدمة بارونات المخدرات، إشارة قوية على أن زمن الإفلات من العقاب قد ولى إلى غير رجعة وأن وقت الحساب أصبح واقعا لا يمكن إنكاره، وهو ما يمكن أن يكون عبرة لمن يفكر في استغلال منصبه للتحالف مع الفساد”.

إنجاز: محمد بها

الصباح

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬337