شهدت الساحة التشريعية المغربية نقاشاً حاداً حول مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، خاصة فيما يتعلق بـالمادة 51 المكررة، التي تستهدف تجريم الأفعال الماسة بنزاهة العملية الانتخابية وصدقيتها. يمثل هذا النص تحدياً دقيقاً في الموازنة بين الحقوق الدستورية، لا سيما حرية التعبير وإبداء الرأي، وضرورة حماية المسار الديمقراطي من التشكيك والتخريب عبر نشر الأخبار الزائفة والإشاعات.
يرى وزير العدل السابق، الأستاذ مصطفى الرميد، أن مقاربة هذا المقتضى يجب أن تكون متوازنة، فمن الصعب قبوله دون شروط، ومن الصعب رفضه على إطلاقه.
المادة 51 المكررة: إطار التجريم
تؤسس المادة المقترحة لتجريم مزدوج:
الفقرة الأولى: تركز على حماية الحياة الشخصية للمرشحين والناخبين، عبر معاقبة من يبث أو يوزع “تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته”، أو ينشر “خبراً زائفاً، أو ادعاءات أو وقائع كاذبة… بقصد المساس بالحياة الشخصية… أو التشهير بهم” عبر مختلف الوسائل، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات الذكاء الاصطناعي.
الفقرة الثانية: تنص على معاقبة كل من “ساهم أو شارك… في نشر أو إذاعة أو نقل أو بث أو توزيع إشاعات أو أخبار زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات”. وهي الفقرة التي أثارت الجدل باعتبارها “تحجيراً على حرية التعبير ومصادرة للحق في إبداء الرأي”.
الجدل بين التجريم وحرية التعبير
إن رفض الفقرة الثانية بعلة تحجير حرية التعبير لا يقف أمام حقيقة أن النص المقترح لم يجرم مجرد إبداء الرأي أو التعبير عن الموقف، بل أسس التجريم على فعل نشر أو توزيع “إشاعات أو أخبار زائفة” بـقصد محدد هو “التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات”. هذا التحديد هو ما يرفع التجريم من خانة تكميم الأفواه إلى خانة مكافحة التضليل المتعمد الذي يهدد الثقة في المؤسسات.
إن الديمقراطية الانتخابية تقوم على ركنين أساسيين:
نزاهة العملية الانتخابية: تشريعياً وعملياً، بما يضمن حياد الإدارة والتنافس الشريف.
الاعتراف بالنتائج: وهو ما يستوجب عدم التشكيك في نزاهة الانتخابات بـالافتراءات المتعمدة، كما يلاحظ في الدول العريقة ديمقراطياً.
الشرطية القبلية لقبول التجريم
يرى الأستاذ الرميد أن قبول هذا المقتضى، خاصة الفقرة الثانية، يجب أن يكون مشروطاً بتوفير مقدماته وشروطه. فبدل الرفض المطلق الذي قد يُقابل باتهام الرافضين بالرغبة في “تبرير الهزيمة وتحصين الطعن غير المبرر”، أو خدمة “دعاة العدمية والتيئيس”، يجب على الأحزاب المعنية أن تطالب بـضمانات قانونية وعملية لازمة لنزاهة الانتخابات كـمقدمة لقبول المقترح التشريعي.
ومن أبرز هذه الضمانات:
تخفيض عدد المكاتب الانتخابية إلى أدنى مستوى ممكن لتمكين الأحزاب من توفير ممثلين في كافة المكاتب لمراقبة صدقية العملية.
تمكين المراقبين من الحصول على نسخ المحاضر المنجزة موقعةً من لدن من يهمهم الأمر، كإجراء أساسي لتوثيق النتائج وطمأنة النفوس.
إن الديمقراطية الانتخابية هي “كتلة من الإجراءات والتدابير”، وعندما تُستوفى هذه التدابير وتتحقق النزاهة فعلاً على أرض الواقع، يصبح حينئذ تجريم الأخبار الزائفة والإشاعات المغرضة ضرورة مشروعة لحماية استقرار المسار الديمقراطي وثقة المواطنين به.
لا يمكن معالجة التشكيك في الانتخابات عبر التجريم فقط، بل يجب أن يكون التجريم تتويجاً لعملية إصلاح شاملة تضمن النزاهة. إن ربط قبول تجريم التشكيك بنشر الإشاعات الكاذبة بتوفير ضمانات الشفافية والمراقبة الفعلية هو الموقف الأكثر اتزاناً، لأنه يؤكد على أن حماية الانتخابات تبدأ بتأمين صدقيتها قبل ملاحقة من يشكك فيها. المطلوب هو توفير “الدمقراطية النزيهة” أولاً، ثم “تجريم التشكيك الكاذب” ثانياً، ليصبح القانون أداة لحماية حقيقة قائمة، لا تحصيناً لاحتمال الفساد.
نص تدوينة الوزير السابق مصطفى الرميد:
السلام عليكم
ان من جملة المستحدثات التشريعية المقترحة في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، نص المادة 51 المكررة التي ورد فيها الاتي:
(يعاقب بالحبس من سنتين الى خمس سنوات، وبغرامة من 50000درهم الى000 100 درهم، كل من بث او وزع تركيبة مكونة من اقوال شخص او صورته، دون موافقته، او نشر او اذاع او نقل او بث او وزع خبرا زائفا ،او ادعاات او وقائع كاذبة، او مستندات مختلقةاو مدلس فيها ،بقصد المساس بالحياة الشخصية باحد الناخبين او المترشحين او التشهير بهم، باي وسيلة، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي ،او شبكات البث المفتوح او اذوات الذكاء الاصطناعي او اي منصةالكترونية ، او تطبيق يعتمدالانتيرنيت او الانظمة المعلوماتية.
يعاقب بنفس العقوبة كل من قام او ساهم او شارك ، باي وسيلة من الوسائل المشار اليها ، في الفقرة اعلاه،في نشر او اذاعة او نقل او بث او توزيع اشاعات او اخبار زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات. )
غير ان البعض اعتبر ان الفقرة الثانية من هذه المادة ، تضمنت تحجيرا على حرية التعبير ،ومصادرة للحق في ابداء الراي.
والحقيقة انه من الصعب قبول هذا المقتضى، دون توفيرمقدماته وشروطه ، كما انه من الصعب رفضه على اطلاقه ، خاصة وان التجريم ارتكز ليس على مجرد ابداء الراي، او على مجرد التعبير عن الموقف ، وانما تاسس على نشر او اذاعة او نقل اوبث او توزيع اشاعات او اخبار زائفة.
ذلك ان الدمقراطية الانتخابية تتطلب ضمان جملة شروط ،اولها شروط نزاهة الانتخابات، سواءمنها التشريعية او العملية، والتي تضمن من جهة ،حياد الادارة، كما تضمن من جهة اخرى، التنافس الشريف بين اطراف العملية الانتخابية.
واذا تم ضمان ذلك، فان من شروط الممارسة الدمقراطية السليمة ايضا، الاعتراف بالنتائج المقررة، وعدم التشكيك في نزاهة الانتخابات وصدقيتها ،من خلال نشر الأخبار الزائفة، والاشاعات المسمومة.
وهذا مايلاحظ في الدول العريقة دمقراطيا، اذ بقدر ماتم توفير ضمانات الانتخابات النزيهة، بقدر ماادى ذلك الى ضمان الاعتراف بنتائجها، الا في حالات استثنائية، لايقاس عليها ، كحالة ترمب في الولايات المتحدة الأمريكية، وبولسورانو في دولة البرازيل.
لذلك ، فان الراي عندي، هو ان يبادر من يهمه الامر من الأحزاب، الى الاعلان عن الضمانات القانونية والعملية اللازمة لنزاهة الانتخابات، كما هو مقرر في الدول الدمقراطية، كمقدمة لقبول المقترح التشريعي الوارد في الفقرة الثانية من المادة اعلاه.
اما الرفض بعلة ان الإدارة تستهدف تحصين الفساد الانتخابي، فانه يمكن ان يقابل بادعاء ان الجهات الرافضة، تريد ان تبرر هزيمتها ، وتحصن طعنها غير المبرر في الانتخابات ، وبالتالي الابقاء على حالة التبخيس ، وخدمة دعاة العدمية و التيئيس.
ان من جملة ماينبغي الانتباه اليه في هذا السياق، هو وجوب تخفيض عدد المكاتب الانتخابية الى اقل مستوى ممكن، حتى تتمكن الاحزاب من توفير ممثلين لها في كافة المكاتب، او على الاقل ، في اغلبها، لتكون شاهدة من خلالهم على صدقية العملية الانتخابية ، وبالتالي تطمئن النفوس الى النتائج، كما ان ذلك يستوجب تمكين المراقبين من نسخ المحاضر المنجزة، بمقتضى توقيعات من يهمهم الامر، وغير ذلك مما تستوجبه اي عملية انتخابية نزيهة.
هكذا، فان الدمقراطية الانتخابية كتلة من الإجراءات والتدابير، التي ان توفرت ، استوجبت ، بالفعل، تجريم الأخبار الزائفة، والاشاعات المغرضة.














