منذ أن أعطى عامل إقليم اشتوكة آيت باها، محمد سالم الصبتي، إشارة الانطلاق لجيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، تعالت الأصوات في الإقليم مطالبة بتوفر شرط أساسي لإنجاح هذا المشروع الملكي الطموح: وجود نخب سياسية محلية قادرة على الفهم، التخطيط، والابتكار. غير أن واقع المجالس المنتخبة يكشف عن صورة قاتمة تُنذر بإجهاض هذه الأوراش قبل أن ترى النور.
فالإشكال لم يعد مرتبطاً فقط بالموارد أو الإمكانيات، بل بمستوى من يُفترض فيهم أن يقودوا قاطرة التنمية. أغلب المجالس المنتخبة بالإقليم تعجّ بأميين وجهلة، جاؤوا إلى قبة المجالس لا بفضل الكفاءة أو الخبرة، وإنما بفضل ولاءاتهم للأعيان الذين يحرصون على ملء المقاعد بأشخاص من طينة “سمعنا وأطعنا”، ليضمنوا التحكم في القرار المحلي وحماية مصالحهم الخاصة.
داخل دورات المجالس، المشهد بائس: وجوه صامتة طيلة الولاية، لا قدرة لها على النقاش ولا على تقديم مقترحات عملية. منتخبون لم يسبق لهم أن رفعوا أصواتهم لمساءلة، أو الدفاع عن قضايا الساكنة، أو حتى التعبير عن موقف، وكأنهم كراسي إضافية في قاعة الاجتماعات. كيف إذن يمكن الحديث عن تنمية ترابية حقيقية يقودها من لا يملك لا مستوى دراسي، ولا تكوين سياسي، ولا تجربة جمعوية؟
هذا الوضع يعكس معضلة بنيوية في إقليم اشتوكة آيت باها: إقصاء النخب الواعية والمتعلمة، ومحاربة الكفاءات التي كان بإمكانها المساهمة في تنزيل المشاريع التنموية على أرض الواقع. فالأعيان يفضّلون تطويق المشهد الانتخابي بأشخاص ضعاف، يسهل التحكم فيهم وتوظيفهم كأدوات لحماية المصالح العائلية والاقتصادية الضيقة، في حين يؤدي الإقليم كله ثمن هذا التواطؤ: بطء في إنجاز المشاريع، غياب حكامة محلية، وحرمان الساكنة من التنمية التي تستحقها.
إن الجيل الجديد من التنمية الذي جاء كترجمة عملية للتوجيهات الملكية، يفضح اليوم بشكل غير مباشر عجز هؤلاء المنتخبين ويفرّغ وجودهم من أي معنى. فكيف يمكن تنزيل برامج تنموية معقدة تتطلب معرفة بالتشريع، بالمالية المحلية، وبالتخطيط الاستراتيجي، في ظل مجالس يسيطر عليها “الأميون” و”الجاهلون”؟
الرسالة أصبحت واضحة: إذا لم يَكسر الإقليم حلقة الأعيان ويُفسح المجال أمام النخب المتعلمة، فلن يكون لأي برنامج تنموي مصير سوى الفشل. التنمية تحتاج إلى كفاءات، لا إلى واجهات انتخابية مشبوهة.
فهل يتحرك عامل الإقليم والسلطات الوصية لفتح نقاش جاد حول تجويد النخبة السياسية المحلية؟ وهل تستفيق الساكنة من غفوتها وتُحسن الاختيار في المحطات المقبلة؟ أم سيظل إقليم اشتوكة رهينة لدى المصالح الضيقة للأعيان على حساب المصلحة العامة؟