في تطور جديد لقضية التلاعب بملفات حوادث السير، أصدرت محكمة الاستئناف بالرباط، يوم الإثنين الماضي، أحكاما مشددة في حق شبكة متورطة تتزعمها محامية بارزة بهيئة الرباط، إلى جانب وسطاء، طبيبين، وكاتبة محام. وتأتي هذه الأحكام لتؤكد حزم القضاء المغربي في التصدي للتلاعب بمصالح المواطنين، خاصة في قضايا تتعلق بالتعويضات والحوادث المفبركة.
وحسب الأخبار التي أوردت التفاصيل، فقد قضت المحكمة برفع العقوبة السجنية للمحامية من سنتين إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا، مع تغريمها مبلغ 5000 درهم، بعد أن ثبت تورطها في قيادة شبكة منظمة مختصة في الاحتيال على شركات التأمين عبر ملفات مزيفة لحوادث السير. كما تم تشديد العقوبة على أحد الوسطاء المكلفين باستقطاب الضحايا، من 18 شهرا إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا، فيما رُفعت العقوبة في حق وسيط آخر من سنة إلى سنة ونصف.
وفي السياق ذاته، أدينت كاتبة محام بأربعة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية، بينما أُيّدت العقوبة الابتدائية (18 شهرا حبسا نافذا) الصادرة في حق طبيب كان يتابع في حالة سراح. وأسقطت المحكمة الدعوى في حق طبيب ثان، فيما تم تثبيت العقوبة الابتدائية في حق موظف بالوقاية المدنية برتبة مساعد، وهي ستة أشهر حبسا نافذا وغرامة قدرها 5000 درهم.
وقد جاءت هذه الأحكام بعد تحريات دقيقة قامت بها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، والتي أحالت المعطيات إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي تولت بدورها التحقيق تحت إشراف النيابة العامة المختصة. وكشفت الأبحاث أن الشبكة كانت تعتمد على شهادات طبية مزورة تتضمن معلومات غير صحيحة حول الإصابات والعجز، قصد تضخيم مطالب التعويض ضد شركات التأمين.
التحقيقات بينت أن المتهمة الرئيسية كانت تتلقى تحويلات مالية ضخمة من شركات التأمين، بلغت قيمتها 8 مليارات سنتيم بين عامي 2023 و2024، وأربعة أشهر من العام الجاري، حسب ما أكده نقيب المحامين خلال مرافعته، والذي شدد على أن هذه التجاوزات تمس جوهر أخلاقيات المهنة، وتضرب في العمق مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص، خاصة أن معظم المحامين يعانون في صمت من قلة الملفات والفرص المهنية.
ووفق المعطيات التي قدمتها الفرقة الوطنية، فقد كانت الشبكة تترصد ضحايا الحوادث فور وقوعها، مستعينة بوسيطين يتحركان بسرعة للتواصل مع الضحايا ونقلهم إلى المستشفيات بالتنسيق مع سائق سيارة إسعاف تابع للوقاية المدنية. بعدها، يتم إصدار شهادات طبية متلاعب فيها، تشمل فترات عجز غير دقيقة، قبل أن تدرج في ملفات التعويض، التي كانت المحامية تشرف على إعدادها بحكم درايتها بمساطر النزاعات القضائية ذات الصلة.
وقد تمت إحالة المتهمين السبعة على قاضي التحقيق، الذي قرر متابعة أربعة منهم في حالة اعتقال، فيما تابع البقية في حالة سراح بكفالات مالية متفاوتة. وتشمل لائحة المتابعين طبيبين ومساعدًا بالوقاية المدنية، تورطوا في التوقيع على الشهادات المغلوطة أو تسهيل عمليات النقل غير القانونية للضحايا المفترضين.
هذه الفضيحة، التي كشفت عن وجود عصابة منظمة تشتغل بشكل ممنهج في استغلال ثغرات النظام القضائي وشركات التأمين، أعادت النقاش بقوة حول ضرورة تشديد الرقابة على ملفات التعويضات الطبية والقانونية، وإخضاعها لخبرات دقيقة ومستقلة. كما سلطت الضوء على أهمية الأخلاقيات المهنية في مهن المحاماة والطب، التي يفترض أن تشكل حصنًا منيعًا ضد التلاعب بالحقوق والمصالح الحيوية للمواطنين.