في تطور جديد لقضية البرنامج الاستعجالي في قطاع التعليم بالمغرب، تسلم الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء نتائج التحقيقات التي أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
كشفت هذه التحقيقات تورط 81 مؤسسة تعليمية في مخالفات جسيمة تتعلق بصفقات عمومية تمت خلال فترة تولي الوزير أحمد أخشيش، حيث رصدت تلاعبات متعمدة شملت طلبات عروض وهمية لفائدة شركات محددة سلفًا، مخالفة بذلك قواعد المنافسة والشفافية.
وجاء التحول الحاسم في القضية بعد تسريب تسجيلات صوتية نسبت إلى مديرة سابقة لأكاديمية جهوية، حيث كشفت هذه التسجيلات بتفصيل مثير للقلق آليات منح الصفقات، الضغوطات الداخلية، وطرق اختلاس الأموال المخصصة للبرنامج. وقد ساهمت هذه التسجيلات المنتشرة على نطاق واسع في إعادة تحريك المتابعات القضائية وتقديم أدلة دامغة على وجود شبكة منظمة داخل الإدارة التعليمية.
وأكد تقرير محكمة الحسابات، الذي جاء محملا بالاتهامات، أن نسبة 58% فقط من الميزانية المخصصة، أي حوالي 25 مليار درهم من أصل 43 مليار، قد تم صرفها فعليًا، فيما لم تُنفذ مشاريع كبرى مثل القطب التربوي الذي رصد له أكثر من 12 مليار درهم، أو تم التخلي عنها دون مبررات واضحة.
ويُعزى فشل البرنامج كذلك إلى غياب رؤية استراتيجية متماسكة، وعجز الوزارة عن تنفيذ الإصلاحات الموعودة في مجالات التوجيه، اللغات، المناهج، وتكوين الأساتذة. وقد تم توزيع الملفات المتعلقة بهذه الاختلالات بين المحاكم المختصة بالجرائم المالية في الدار البيضاء، الرباط، فاس، ومراكش، حيث صدرت أحكام ابتدائية في بعض القضايا، بينما ما تزال أخرى تخضع للتحقيقات المعمقة.
وتتركز الأنظار حاليا على افتتاح السنة القضائية المقبلة التي يرتقب أن تشهد محاكمات مدوية تشمل مسؤولين جهويين رفيعي المستوى ومقاولين خاصين. ويشكل هذا الفضيحة، التي تمثل التسجيلات الصوتية ذروتها، تحديا كبيرا لحوكمة قطاع التعليم، ويعيد إلى الواجهة مرة أخرى القضية المحورية المتعلقة بمحاسبة المسؤولين وضمان استخدام الأموال العامة بكفاءة.
في ظل الأزمة العميقة التي تعصف بالتعليم العمومي، تطالب الرأي العام بإجابات واضحة، وعقوبات رادعة، والتزام جاد لاستعادة الثقة في المؤسسات وتحقيق الحق في التعليم بشكل فعلي.