رغم الخطابات الرسمية التي تروج لـ”الدولة الاجتماعية” و”الاستثمار في الشباب”، تبرز الأرقام الحقيقية الوجه الآخر للوضع الاجتماعي في المغرب، حيث لا يزال مئات الآلاف من الأطفال بين 7 و17 سنة يعملون في سوق الشغل، منهم نسبة كبيرة تقوم بأعمال خطيرة تهدد صحتهم وحياتهم.
تقرير المكتب المركزي للإحصاء لسنة 2024 يكشف أن أكثر من 101,000 طفل يشاركون في النشاط الاقتصادي، بينهم 62,700 طفل يعملون في ظروف خطيرة، مما يشكل انتكاسة واضحة في بلد يروج للتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر.
المفارقة أن النسبة رغم تراجعها مقارنة بالسنوات السابقة، لا تزال مرتفعة بشكل مقلق، خصوصًا في المناطق القروية حيث تصل إلى 2.5%، مقارنة بنصف بالمائة فقط في المدن.
ويظهر التقرير أن معظم هؤلاء الأطفال من الذكور، وأن الغالبية العظمى منهم تركوا مقاعد الدراسة، ما يحرمهم من حقهم الأساسي في التعليم ويقيد فرصهم المستقبلية.
أما عن طبيعة الأعمال، فتتركز في قطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات، حيث يخاطر هؤلاء الأطفال بحياتهم يوميًا في بيئات عمل محفوفة بالمخاطر، كالمصانع، ومواقع البناء، وحتى الحقول الزراعية التي تتطلب جهداً بدنيًا هائلا.
توظيف الأطفال يعكس هشاشة اقتصادية واجتماعية متجذرة في بعض الأسر، خاصة تلك التي يرأسها أميون أو يعملون في قطاعات يدوية تعتمد على العمل الميداني، وهو ما يؤكد أن التعليم والوعي يشكلان درعًا حقيقيا ضد استغلال الأطفال. وبينما يرفع المغرب راية التطور والابتكار عبر التركيز على الاقتصاد الرقمي والشركات الناشئة، لا تزال معاناة الأطفال العاملين في الريف والحضر شاهدة على فجوة تنموية كبيرة تحتاج إلى معالجة عاجلة.
إن محاربة عمل الأطفال ليست مجرد قضية قانونية أو إنسانية، بل هي استثمار حقيقي في مستقبل المغرب، يتطلب سياسات فعالة لتعميم التعليم، دعم الأسر الفقيرة، وتعزيز التغطية الاجتماعية، فضلاً عن تشديد الرقابة على ظروف العمل.
وفي الوقت الذي تحيي فيه الجهات الرسمية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل الكلمات إلى أفعال على الأرض، لوقف معاناة آلاف الأطفال الذين يحرمون من طفولتهم ومستقبلهم، وهم يعملون في صمت بعيدًا عن أنظار المجتمع والسياسة.