شهدت الأيام التي تلت عيد الأضحى لهذا العام تطورًا إداريًا لافتًا وغير مسبوق في المغرب، تمثل في إعفاء واليي جهتي فاس مكناس ومراكش آسفي من مهامهما الرسمية. جاء هذا القرار الصادم من وزارة الداخلية، مساء أمس الثلاثاء 10 يونيو 2025، إثر ظهورهما العلني وهما يشاركان في ذبح أضحية العيد، وهو ما اعتُبر “خرقًا للبروتوكول السيادي” و”مساسًا برمزية دينية ودستورية” ترتبط بشخص جلالة الملك بصفته أميرًا للمؤمنين.
تجاوز البروتوكول.. وإعفاء فوري
في جهة فاس مكناس، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر الوالي معاد الجامعي وهو يذبح الأضحية “باسم ساكنة الجهة”. أثار هذا المشهد عاصفة من الانتقادات، واعتبره كثيرون تعديًا واضحًا على اختصاص حصري يرمز إلى إمارة المؤمنين. وعلى الفور، أسندت مهام الوالي مؤقتًا إلى عامل عمالة مكناس، عبد الغني الصبار، في انتظار تعيين رسمي لاحق.
السيناريو نفسه تكرر في جهة مراكش آسفي مع الوالي فريد شوراق، الذي ظهر في مشهد موثق وهو يذبح أضحية العيد أمام حشد من المواطنين بمصلى سيدي اعمارة. سرعان ما انتشرت مقاطع الفيديو، مما عجّل بقرار الإعفاء الذي نصّ على تعيين عامل إقليم الحوز، رشيد بنشيخي، واليًا بالنيابة على الجهة.
تساؤلات مشروعة.. وخطأ فادح
القراران بعثا رسالة واضحة وحاسمة مفادها أن البروتوكولات المرتبطة بالسيادة الدينية في المملكة ليست مجالًا للاجتهاد أو التقدير الشخصي، مهما علا شأن المسؤول. فذبح أضحية العيد في السياق المغربي ليس مجرد طقس ديني، بل يحمل رمزية سيادية بامتياز تجسّد علاقة أمير المؤمنين برعيته. ومن ثَمَّ، تُمارس هذه الرمزية حصريًا من طرف الملك، أو من يُنيبه رسميًا، وليس عبر مبادرات فردية للمسؤولين الترابيين، مهما كانت نواياهم.
تفتح هذه الواقعة الباب أمام تساؤلات حول كيفية وقوع مسؤولين بهذا الوزن في خطأ بهذا الحجم، رغم وضوح الأعراف والممارسات البروتوكولية في هذا الشأن. هل هو جهل بالبروتوكول؟ أم أن الغرور الإداري أعمى البصيرة وحرّك الرغبة في الظهور والتموقع في لحظة دينية وسياسية حساسة؟
هل تتسع دائرة الإعفاءات؟
في الوقت الذي لم تهدأ فيه ردود الفعل على هذه الإعفاءات، تحدثت مصادر مطلعة عن تحقيقات إدارية جارية قد تُفضي إلى إعفاءات أخرى في صفوف مسؤولين محليين تورطوا في خروقات مماثلة خلال أجواء العيد. تتزامن هذه التطورات مع دعوات من الفاعلين السياسيين إلى ترسيخ ثقافة الانضباط للبروتوكول، وربط المسؤولية بالمحاسبة مهما كانت الرتبة.
لا يمكن فصل هذه التطورات عن السياق الأوسع الذي تعيشه الإدارة المغربية، حيث يُعاد النظر في أدوار المسؤولين الترابيين وتموقعهم ضمن هندسة الدولة الحديثة، في ظل توجه ملكي واضح نحو دولة المؤسسات والحكامة الجيدة. لقد مرّ عيد الأضحى هذا العام على بعض المسؤولين كاختبار، سقط فيه من سقط، لأن الرمزيات في المغرب ليست مجرد طقوس، بل جزء من نظام سياسي وروحي دقيق، لا يقبل التأويل الفردي ولا التصرف العشوائي.