تدخل المستشارين الجماعيين: عندما تتسرب المصالح الانتخابية إلى قلب الإدارة المحلية

تُشكّل الإدارة المحلية عصب التنمية وواجهة تقديم الخدمات للمواطنين، ولضمان فعاليتها وشفافيتها، يجب أن تبقى محايدة ومهنية. غير أن الممارسات التي كشفت عنها توجيهات وزارة الداخلية الأخيرة، والتي تمنع تدخل المستشارين الجماعيين في عمل الموظفين، تُبرز تحديًا خطيرًا يهدد هذه المبادئ: تسرب المصالح الانتخابية والشخصية إلى صميم العمل الإداري.

المشكلة في الصميم: استغلال النفوذ لكسب الأصوات
ليس سراً أن دافع التدخلات المتنامية لبعض المستشارين الجماعيين في عمل موظفي الجماعات ليس نابعاً من الحرص على المصلحة العامة، بل هو محاولة واضحة لـاستغلال النفوذ بغرض كسب الأصوات الانتخابية. يرى هؤلاء المستشارون في تسهيل بعض المعاملات الإدارية، أو التدخل في ملفات محددة لصالح مواطنين بعينهم، فرصة ذهبية لبناء قاعدة انتخابية موالية. يظهرون بمظهر “المنقذ” أو “المُعين” الذي يتجاوز روتين الإدارة وتعقيداتها، ليُقدم “خدمة” تُسجل في رصيدهم الانتخابي.

تُصبح الإدارة بذلك حقلًا للضغط والمساومة، حيث يتعرض الموظفون لضغوط هائلة من قبل المستشارين لتجاوز الإجراءات القانونية أو الكشف عن معلومات شخصية، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى صدامات مباشرة، هذه الممارسات لا تقوّض فقط ثقة المواطنين في الإدارة، بل تُضعف أيضاً معنويات الموظفين الذين يسعون لتطبيق القانون بحذافيره.

انتشار الظاهرة: إقليم اشتوكة آيت باها كنموذج
هذه الظاهرة، التي دقت وزارة الداخلية ناقوس الخطر بشأنها، لا تقتصر على منطقة دون أخرى في المغرب. بل هي تتنامى بشكل ملحوظ في العديد من الأقاليم، ومنها إقليم اشتوكة آيت باها. ففي هذا الإقليم، على غرار مناطق أخرى، تُسجل حالات متزايدة لتدخل بعض المستشارين الجماعيين في الشؤون الإدارية اليومية للجماعات الترابية. هذا التدخل لا يقتصر على الضغط لتسريع ملفات معينة أو الحصول على معلومات، بل يمتد أحيانًا إلى محاولات التأثير في قرارات إدارية أو توجيه موارد بطرق لا تتوافق مع المساطر القانونية أو مبدأ تكافؤ الفرص، وكل ذلك بغرض استقطاب الدعم الشعبي وتوطيد النفوذ تمهيدًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

خرق للقانون وتشويه للديمقراطية
تُذكّر وزارة الداخلية، وبحق، بأن هذا السلوك يشكل خرقاً واضحاً للمادة 66 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. هذه المادة تضع خطاً فاصلاً وواضحاً: يقتصر دور أعضاء مجالس الجماعات، باستثناء الرئيس ونوابه، على المهام التداولية داخل المجلس أو اللجان. أي تدخل في المهام الإدارية أو التوقيع على الوثائق أو تدبير مصالح الجماعة خارج هذا الإطار هو تجاوز غير مشروع للصلاحيات.

عندما تُبنى العملية الانتخابية على أساس “الخدمات” المقدمة بطريقة غير قانونية، فإنها تُشوّه جوهر الديمقراطية. لا تعود المنافسة قائمة على برامج انتخابية واضحة أو رؤى تنموية شاملة، بل تتحول إلى سباق على من يستطيع “خدمة” أكبر عدد من الأفراد عبر تجاوز القوانين والإجراءات. هذا يُضعف الثقة في المؤسسات المنتخبة ويُمهد الطريق لممارسات الفساد.

ضرورة تحصين الإدارة وتعزيز الشفافية
تُعبر توجيهات وزارة الداخلية عن إدراك عميق لخطورة هذا الوضع، وهي خطوة حاسمة نحو تحصين الإدارة الجماعية من كل أشكال التأثير السياسي غير المشروع. الهدف واضح: ضمان حياد المرافق العمومية ومساواة المواطنين في الولوج إلى الخدمات الإدارية، دون تمييز أو محاباة.

يتطلب تحقيق هذا الهدف تضافر جهود جميع الأطراف:

الصرامة في تطبيق القانون: يجب ألا تبقى هذه التوجيهات مجرد تعليمات إدارية، بل يجب أن تُتبع بآليات صارمة للمراقبة وتطبيق العقوبات على المخالفين، سواء من المستشارين أو الموظفين المتورطين.
تمكين ودعم الموظفين: يجب توفير الحماية القانونية والإدارية للموظفين الذين يرفضون التدخلات غير المشروعة، وتدريبهم على التعامل مع هذه الضغوط.
توعية المواطنين: من الضروري توعية المواطنين بأن حصولهم على الخدمات الإدارية هو حق مكفول بالقانون، ولا يتطلب “واسطة” أو تجاوزًا للإجراءات، وأن اللجوء للتدخلات غير المشروعة يضر بالمصلحة العامة.

إن المعركة ضد هذه المداخلات هي في جوهرها معركة من أجل النزاهة والشفافية والحكامة الجيدة على المستوى المحلي. لا يمكن بناء إدارة قوية وفعالة تخدم التنمية الحقيقية إلا إذا كانت محايدة، مهنية، وتعمل في إطار احترام كامل للقانون والمساواة بين جميع المواطنين.

A.Boutbaoucht

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬334

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *