مع حلول شهر رمضان والمناسبات الدينية، تتجدد ظاهرة التسول بشكل لافت، حيث تتحول الشوارع والأسواق والمساجد إلى مسرح مفتوح لأساليب متعددة من الاستعطاف، التي تتجاوز في كثير من الأحيان الحاجة الحقيقية إلى شكل منظم من “حرفة التسول”، يستغل مشاعر العطاء التي تميز المجتمع المغربي.
تزايدت شكاوى أصحاب المحلات التجارية والزبائن من الإلحاح المتكرر للمتسولين، الذين يجوبون الأسواق والمتاجر، معرقلين حركة البيع والشراء، ومسببين إزعاجًا للمواطنين. ولم يعد الأمر مقتصرًا على المحتاجين الحقيقيين، بل صار تجارة قائمة بذاتها، تُستخدم فيها النساء والأطفال، وتمارس عند إشارات المرور وأبواب المساجد، مما يؤثر سلبًا على جمالية الفضاء العام وكرامة الإنسان.
التسول بين الواقع والاستغلال
في مناطق مثل سوس الكبرى، حيث تُعتبر الكرامة قيمة أساسية، نادرًا ما يلجأ المحتاجون إلى مدّ اليد، بل يبحثون عن طرق أخرى لحفظ ماء وجههم. وهذا ما يثير التساؤلات حول انتشار التسول في بعض المدن والمناطق، حيث يبدو في كثير من الأحيان أنه ظاهرة دخيلة أو مُنظمة، ما يستدعي التعامل معها بوعي، بعيدًا عن الاستجابة العاطفية غير المدروسة.
وقد عبّر أحد الزوار الأجانب ذات مرة عن صدمته من انتشار التسول في المغرب، معتبرًا أنه “مهنة مربحة لا تخضع للضرائب”، وهو تعليق يعكس نظرة خارجية قاسية لكنها واقعية، تعبر عن ضرورة التصدي لهذه الظاهرة التي تسيء لصورة البلاد، خاصة في المناطق السياحية، حيث يلاحق بعض المتسولين الزوار بطريقة تنفرهم وتترك لديهم انطباعًا سلبيًا.
الصدقات والعمل الخيري بين النبل والاستغلال
الإحسان قيمة إنسانية نبيلة، والصدقة من أركان الإسلام، لكنها لا ينبغي أن تُفرغ من محتواها لتصبح وسيلة للاستغلال الانتخابي أو السياسي، أو فرصة لبعض “المحسنين” الباحثين عن الأضواء والظهور الإعلامي. المجتمع المدني مطالب اليوم بالمساهمة في التكافل الاجتماعي، ولكن بطريقة منظمة ومسؤولة، تحترم كرامة المحتاجين، وتضمن وصول الدعم إلى من يستحقه فعلاً.
الحل: سياسات اجتماعية عادلة بدل الإحسان الموسمي
التصدي لظاهرة التسول لا يكون فقط بالمنع، بل بالكرامة، من خلال إدماج الفئات الهشة في المجتمع، ووضع سياسات عمومية تعالج الفقر من جذوره. المطلوب ليس مجرد تقديم مساعدات ظرفية، بل خلق فرص اقتصادية حقيقية، ومحاربة المضاربات والاحتكار، وتشجيع المشاريع الذاتية والأنشطة المدرة للدخل.
رمضان ليس فقط شهر العطاء، بل هو شهر الصدق مع النفس، والتغيير نحو الأفضل، والقطع مع كل ما يمس بكرامة الإنسان والمجتمع. لقد آن الأوان للانتقال من سياسات الإحسان الظرفي إلى حلول مستدامة تضمن العدل والتنمية للجميع.