شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب في السنوات الأخيرة صعودًا لافتًا لظاهرة “المؤثرين”، الذين استغلوا تراجع حرية التعبير والتطور التكنولوجي لتحقيق مكاسب مالية وشخصية، بعيدًا عن أي التزام بأخلاقيات الصحافة أو المعايير المهنية. هؤلاء الأشخاص، الذين يفتقرون إلى المصداقية، باتوا يستهدفون مؤسسات الدولة ورجالاتها، ويشوهون سمعة المواطنين، وينشرون الأكاذيب، بل ويحرضون على الفتنة، مقابل تحقيق الربح المادي، بغض النظر عن العواقب.
لم تعد هذه الظاهرة مجرد تعبير عن آراء شخصية أو مشاركة تجارب حياتية، بل تحولت إلى أداة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي في المغرب. فقد أصبح بعض “المؤثرين” بمثابة سماسرة رأي عام، يبيعون ذممهم لمن يدفع أكثر، ويستغلون المنصات الرقمية لتنفيذ أجندات خفية، متجاهلين تأثير ذلك على استقرار البلاد وتماسك المجتمع.
تهديد للأمن والاستقرار الاجتماعي
أصبحت هذه الظاهرة تُشكل خطرًا حقيقيًا، وتحولت إلى “وباء” رقمي ينبغي التصدي له بحزم. فكل من يحاول محاسبة هؤلاء أو كشف حقيقتهم، يجد نفسه أمام جيش منظم وخطير من العناصر التي تضلل الرأي العام، وتسعى إلى بث الشكوك وزرع الفتنة بين المواطنين. إن هؤلاء “المؤثرين”، بقدرتهم على التحكم في تدفق المعلومات والتلاعب بالمشاعر، يخلقون حالة من الفوضى الرقمية التي قد تمتد تأثيراتها إلى أرض الواقع.
استغلال أحداث الريف: تصفية حسابات بدل الوحدة
تجلى هذا الخطر في أحداث الريف، حيث استغل بعض الأفراد والهيئات هذه الأزمة لتصفية حساباتهم مع الدولة ومؤسساتها، بدلًا من التلاحم والتكاتف لمواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد. بدل أن تكون منصات التواصل أداة لنشر الحقيقة وتنوير الرأي العام، أصبحت ساحة مفتوحة للمزايدات، حيث يتم استغلال الأزمات الاجتماعية والسياسية لتحقيق مكاسب ضيقة، دون أي وازع أخلاقي أو وطني.
دعوة إلى اليقظة والتعبئة
إن استمرار هذه الفوضى الرقمية دون رادع يشكل خطرًا على السيادة الوطنية، وهو ما يستدعي يقظة وتعبئة عامة للتصدي لكل من يحاول المساس بأمن واستقرار المغرب. إن حقوق الإنسان وحرية التعبير لا تعني السماح بالتآمر ضد الوطن أو نشر الأكاذيب والإشاعات لضرب تماسك المجتمع. وعليه، فإن التصدي لهذه الظاهرة يجب أن يكون أولوية، من خلال تقوية الوعي الرقمي لدى المواطنين، وتعزيز القوانين التي تحاسب كل من يستغل منصات التواصل لنشر الفوضى والتحريض على الفتنة.
المغرب لن يسمح لأي جهة باستغلال الحريات العامة كذريعة لنشر الفوضى أو التآمر ضد الوطن. إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب الحزم والصرامة في صيانة الأمن والاستقرار، مع تعزيز الدور التوعوي لحماية المجتمع من الانسياق وراء حملات التضليل التي يقودها “المؤثرون” الذين يضعون مصالحهم فوق مصلحة الوطن.