في تحول دراماتيكي لمهام تفتيش روتينية، كشفت عناصر المفتشية العامة للمالية عن مؤشرات “اشتباه خطيرة” حول خروقات جسيمة في إرساء وتمرير صفقات عمومية داخل 13 مؤسسة ومقاولة عمومية وملحقاتها. ما بدأ كتدقيق عادي تحول إلى تحقيق معمق يطال عشرات الشركات التي يُشتبه في استفادتها من “صفقات احتكارية” على مدى سنوات.
تحقيق ينعطف من “الروتين” إلى “الخطير”
مصادر “الجريدة” أكدت أن مفتشي المالية، وخلال مراجعة دقيقة لحسابات أقسام المشتريات والطلبيات، تفاجأوا بظاهرة تكرار أسماء شركات محددة بشكل لافت في قوائم المستفيدين. هذا التكرار لم يكن مجرد صدفة، بل أطلق جرس الإنذار بوجود شبهات احتكار واضحة وتواطؤ محتمل من قبل مسؤولين عموميين كبار.
13 مؤسسة عمومية وملحقاتها شملها التدقيق الأولي.
التركيز على صفقات الخدمات، التوريد، الصيانة، والأشغال المتجددة.
آلية “سندات الطلب” هي القناة المفضلة لتمرير الصفقات المشبوهة، نظراً لضعف رقابتها المالية مقارنة بالصفقات الكبرى.
شبهة المحسوبية: أسماء “محظوظة” مرتبطة بنافذين
الصدمة الكبرى جاءت بعد الكشف عن خيوط ترجح ارتباط “الشركات المحظوظة” المهيمنة على الصفقات، منذ سنوات طويلة، بأبناء وأقارب وزراء ومسؤولين كبار ومنتخبين نافذين. هذا التداخل يشير إلى منظومة شبه منظمة لـ “توجيه” الصفقات نحو جهات معينة.
المفتشون اطلعوا أيضاً على تقارير افتحاص داخلية لمؤسستين عموميتين، تضمنت معطيات دامغة حول “صياغة طلبات صفقات بشروط مشبوهة”، تم تصميمها خصيصاً لـ “التحيز” لشركات بعينها على حساب منافسين تقدموا بشكاوى رسمية لجهات عليا كوزارة الاقتصاد والمالية ومؤسسة “الوسيط”.
شركة واحدة تفوز بكل شيء.. من صيانة إلى “نظافة وتسويق رقمي”!
أحد أبرز الخروقات التي رصدتها المفتشية هو سيطرة شركة واحدة على صفقات في مجالات نشاط متنوعة ومتباينة تماماً. فخلال جرد قوائم المستفيدين على المستوى الوطني، تبين أن شركة واحدة فازت بصفقات في:
الصيانة التقنية.
توريد المحولات الكهربائية.
النظافة.
التسويق الرقمي!
هذه الشركة، رغم ورود تقارير بشأنها من أقسام المشتريات حول “تباطؤ في التنفيذ واختلالات في مواصفات التوريدات”، تمكنت من حصد ست صفقات من مؤسسة عمومية واحدة.
“حيلة التلاعب” في المواصفات تُسقط المتورطين
لم تتوقف الأبحاث عند الاحتكار والتواطؤ، بل امتدت لتشمل شبهات التلاعب في المواصفات التقنية لطلبات العروض. حيث يتم تضمين شروط تخص تجهيزات بأرقام ومواصفات مرجعية “غير موجودة في السوق”. هذه الحيلة الخبيثة تتيح للجهات المانحة:
فسخ العقد بسهولة عند تعثر الشركة الفائزة (المتواطئة) في توفير التجهيزات “المستحيلة”.
إعادة تنظيم الصفقة وتمريرها مباشرة لشركة بعينها، بعد إعادة “تحيين” شروط طلبات العروض بما يناسبها.
مصير المتورطين: تصحيح وإحالة قضائية
تحليل الوثائق المالية وبنود العقود كشف عن خروقات إضافية يتوقع أن تكون أساساً لـ “قرارات تصحيحية وإحالة قضائية” في حق المتورطين، خصوصاً في صفوف الموظفين والمسؤولين العموميين. تأتي هذه التحقيقات في وقت تلقت فيه وزارة الاقتصاد والمالية واللجنة الوطنية للطلبيات العمومية عدداً كبيراً من الشكاوى حول “تفصيل” صفقات على مقاس مقاولات حديثة التأسيس تعتمد على المناولة وتعدد الوسطاء، ما أدى إلى تعطيل عدد من الأوراش العمومية.
وتؤكد مصادرنا أن مفتشي المالية طلبوا وثائق ومستندات مفصلة من المؤسسات المعنية، تشمل محاضر الصفقات وتقارير الآمرين بالصرف، بهدف التثبت من صحة المساطر والإجراءات المتبعة في معالجة العروض المقدمة، خاصة تلك التي تقدمت بها المقاولات المتضررة.














