بينما تعاني الدائرة الجبلية لإقليم اشتوكة أيت باها من أزمة عطش حقيقية، وتواجه ساكنتها يومياً إكراهات الماء الصالح للشرب وضعف البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية، تستعد عدد من المجالس الترابية في الجبال لإطلاق سندات الطلب وتنظيم مهرجانات محلية تحت شعارات براقة من قبيل “المهرجان قاطرة للتنمية” و”الترويج للتراث المحلي”.
واقع الحال يكشف عن مفارقة صارخة: مجالس عاجزة عن إيجاد حلول ملموسة لإشكالات تنموية حقيقية، تندفع نحو صرف ميزانيات كبيرة على تظاهرات موسمية غالباً ما يغيب عنها التقييم الموضوعي والمردودية الاقتصادية أو الاجتماعية.
الماء أولى أم المهرجان؟
في وقت تطالب فيه الساكنة الجبلية بربط دواويرها بشبكات الماء والكهرباء والطرق، وتستنجد بالسلطات لتوفير أدنى شروط العيش الكريم، تتجه بعض الجماعات إلى تعبئة إمكانيات مالية قد تصل إلى عشرات الملايين من السنتيمات، فقط لتنظيم “حفلات” سرعان ما تنتهي دون أثر يُذكر، باستثناء بعض الصور على منصات التواصل.
التنمية ليست شعاراً
صحيح أن التظاهرات الثقافية والفنية قد تُساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي والسياحة القروية إذا ما أُحسن تخطيطها وربطها بحاجيات المجتمع، لكن ما يحصل حالياً في بعض جماعات اشتوكة هو مجرد استنساخ لتجارب شكلية تُكرّس هدر المال العام دون رؤية واضحة أو دراسات ميدانية تسبق هذه التظاهرات.
فأين هي دراسات الأثر؟ وأين هو تقييم الدورات السابقة؟ وماذا استفادت الساكنة فعلياً من مهرجانات السنوات الماضية؟ أسئلة مشروعة تطرحها فعاليات جمعوية ومواطنون بمرارة، في ظل غياب آليات الحكامة والشفافية في صرف المال العمومي.
نداء للسلطات: الأولويات أولاً
أمام هذا الوضع، بات ضرورياً على السلطات الإقليمية تفعيل دور المراقبة والتوجيه، ودعوة المجالس المنتخبة إلى ترتيب الأولويات، لأن التنمية لا تُقاس بعدد الخيام ولا بصدى مكبرات الصوت، بل بمدى تأثير المشاريع على تحسين معيش المواطن في المناطق الأكثر تهميشاً.
بالإضافة إلى ذلك، تُطالب فعاليات مدنية وحقوقية بفتح تحقيق نزيه وشفاف حول طرق تمويل هذه المهرجانات، وسط أنباء متواترة تفيد بتحولها إلى “بقرة حلوب” بالنسبة لبعض رؤساء الجماعات، حيث يُثار الكثير من الجدل حول سندات الطلب، وتفويت الصفقات، وتوجيه الدعم إلى جمعيات مقربة، في غياب تام لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهي ممارسات إن ثبتت، فإنها لا تُشكل فقط تبديداً للمال العام، بل تُعمّق أزمة الثقة في المؤسسات المنتخبة، وتُحول الثقافة إلى واجهة لتغليف الفساد.
تبقى التنمية الحقيقية رهينة بسياسات عقلانية تضع الإنسان في قلب الاهتمام، وتؤمن أن الماء أولى من “الفرجة”، وأن الكرامة لا تصنعها فقرات غنائية موسمية بل خدمات مستدامة.