في إحدى جماعات إقليم اشتوكة آيت باها، تتوالى فصول العبث الإداري والمالي في مسلسل أصبح مألوفاً لساكنة المنطقة، حيث تفنن رئيس الجماعة في تحويل المؤسسة المنتخبة إلى ما يشبه شركة عائلية، تدار بطرق ملتوية وتستغل الثغرات القانونية لتمرير الصفقات والأموال، إما عبر شركات عائلية أو جمعيات محسوبة عليه.
فبعد أن قام بتأسيس شركة باسم زوجته ، بدأ في تمرير الصفقات إليها بشكل مباشر، قبل أن تُثار شكوك حول هذه العلاقة المريبة بين المؤسسة المنتخبة والمقاولة، مما دفع مقربين منه إلى تنبيهه بخطورة الأمر، فتفتق ذهنه عن “حل عائلي” جديد: تغيير إسم الشركة… وتغيير أحد الشركاء من زوجة رئيس الجماعة الى أخيها !
هكذا، اختفت الزوجة “م ” من الصورة، ليظهر شقيقها “ع” كوجه جديد في مشهد قديم، وليستأنف الرئيس تمرير الصفقات إليه بطريقة لا تخلو من التحايل الواضح على القانون.
الأدهى من ذلك، أن بعض الصفقات التي لا تفوز بها شركة “الصهر المحظوظ” يتم إلغاؤها، ثم يعاد طرحها مجدداً بشروط جديدة حتى يظفر بها في نهاية المطاف، في تحدٍّ صارخ لمبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص، وبتواطؤ مفضوح بين أطراف داخل الجماعة.
أما القصة الكبرى، فتبدأ عند الحديث عن الصفقات المرتبطة بالمهرجان الأخير الذي نُظم شهر يوليوز الماضي، إذ تم صرف مبالغ ضخمة في ظروف تشوبها الكثير من علامات الاستفهام، دون توضيحات كافية للرأي العام بشأن مصدر هذه الأموال أو قانونية صرفها.
وإذا كانت بعض الجماعات تبرر ضعف أدائها بغياب الموارد، فإن الجماعة المعنية تنفذ مشاريعها عبر ما يسمى بـ”سندات الطلب” (Bon de commande)، أو من خلال دعم مالي سخي يُمنح لجمعيات مقرّبة، والتي تقوم بدورها بتفويض تلك المشاريع لمقاولات بعينها، دون المرور بالمساطر القانونية المعروفة.
ومن بين أكثر الأساليب إثارة للريبة، تقسيم مشاريع كبرى إلى دفعات مالية صغيرة لتفادي الإجراءات المعقدة للصفقات العمومية. فعلى سبيل المثال، يتم تمرير مشروع بقيمة 40 مليون سنتيم عبر سندي طلب؛ 20 مليون في السنة الأولى، و20 مليون أخرى في السنة الموالية، في خرق واضح لمبدأ وحدة الصفقة وتجزئتها بطريقة متعمدة.
وتفيد مصادر مطلعة أن بعض الأشغال داخل الجماعة تبدأ حتى قبل أن يتم الإعلان الرسمي عن الصفقة، ما يدل على وجود “ضمانات غير معلنة” للفوز بها، وهو ما يضرب في العمق مبدأ الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام.
وبالرغم من أن الموقع الإلكتروني الخاص بالصفقات العمومية يوضح أن عدد الصفقات المعلنة منذ بداية الولاية شبه منعدم، فإن العمل الإداري لا يعرف التوقف، بل يتم الالتفاف عليه بسندات الطلب والدعم الجمعوي، مما يكرّس واقعاً تتحول فيه الجماعة من مؤسسة تدبيرية إلى “شبكة للمصالح الخاصة”.
أمام هذا الواقع، يطرح المواطنون والمتتبعون أسئلة مشروعة:
أين هي هيئات الرقابة؟
ما دور مفتشية وزارة الداخلية؟
وأين صوت المعارضة – إن وُجد – مما يحدث من تجاوزات واضحة وخروقات للقوانين المنظمة للصفقات العمومية؟
يبقى المؤكد أن “العبقرية” التي أبدع فيها هذا الرئيس في التمويه والالتفاف على القانون، تستحق أن تُدرّس… ليس في كليات الحكامة الجيدة، بل في كواليس التحايل الإداري، حيث تُصاغ القوانين لتُخرق، وتُدار الجماعات وكأنها تركات عائلية لا مؤسسات عمومية.
Abd/Bouch