من السجالات الاجتماعية إلى صفقات سياسية: هل أصبحنا مجرد ضحايا للإلهاء الجماعي؟

أثير مؤخرا جدل كبير بالمغرب، حول حقوق المرأة ودور الرجل في تحقيقها أو منعها. هذا الجدل كثيرًا ما يُختزل في صراعات بين الجنسين، بينما يغفل الحقيقة الأساسية: الحقوق ليست هبة من الرجل، ولا تُكتسب بالصراع معه، بل هي شأن يُعالج من خلال التشريعات التي تُسنها الدولة، وتُطبقها مؤسساتها لضمان العدالة والمساواة.

الحقوق ليست عند الرجل، بل عند الدولة

من الخطأ الاعتقاد بأن الرجل هو المسؤول الوحيد عن تحقيق حقوق المرأة. المسؤولية الحقيقية تقع على الدولة، التي يجب أن توفر بيئة قانونية ومؤسساتية تضمن حقوق الجميع دون تمييز. اختزال القضية في صراع بين المرأة والرجل يُضلل النقاش ويُشجع على الخصومة بدلاً من التعاون.

في المغرب، نرى أحيانًا أن الرجل نفسه، بعيدًا عن الصورة النمطية كمعيق للمرأة، يعاني من غياب حقوقه في ظل منظومة اجتماعية تُحمله مسؤوليات ثقيلة دون توفير الدعم اللازم. إنه جزء من حلقة معقدة تحتاج إلى تفكيك جذري يعتمد على العدالة بين الجنسين، لا على خلق عداوات وهمية.

السجن بسبب العجز: معالجة خاطئة لقضية النفقة

في قضايا الطلاق والنفقة، ينص القانون المغربي على مسؤولية الزوج في الإنفاق على طليقته وأبنائه. إذا عجز الزوج عن أداء النفقة، يتم تطبيق عقوبات صارمة، قد تصل إلى السجن.
لكن هذا الحل يُعقد المشكلة أكثر مما يحلها. فبدلاً من دعم الزوج العاجز لضمان استمرار الإنفاق على أسرته، يتم حبسه، مما يُعطل قدرته على العمل ويزيد من معاناة الأسرة التي تُركت دون مصدر دخل.

في الدول الأوروبية، يتم التعامل مع هذه القضايا بشكل أكثر إنسانية وفعالية. إذا عجز الزوج عن الدفع، تتدخل الدولة من خلال أنظمة دعم اجتماعي، تقدم المساعدة المادية للأسرة وتوفر فرص العمل للزوج لضمان استمراره في القيام بواجباته.

مدونة الأسرة: بين النقد والإصلاح

رغم التعديلات التي شهدتها مدونة الأسرة ، إلا أنها لا تزال تُثير نقاشات حادة. البعض يراها منحازة للمرأة، بينما يعتقد آخرون أنها أُسيء استخدامها، خاصة في قضايا الطلاق والنفقة، حيث يُستغل القانون أحيانًا لتحقيق مصالح شخصية بدلاً من حماية الأسرة.

نقد مدونة الأسرة لا يعني رفضها بالكامل، بل يجب أن يكون الإصلاح هو الهدف. من الضروري تحقيق توازن يضمن حقوق المرأة دون ظلم للرجل، ويُعزز مسؤولية الدولة في حماية الأسرة كوحدة أساسية للمجتمع.

الزواج: شراكة لا استغلال

هناك فئة من الخطاب المجتمعي تُروج لفكرة أن الزواج هو الحل السحري لمشكلات المرأة المادية أو الاجتماعية، بينما الواقع يشير إلى أن الزواج يجب أن يكون شراكة بين طرفين متكافئين، لا فرصة لتحقيق مكاسب أو للتخلص من أعباء.

الاعتماد على الرجل كمنقذ يُكرس التبعية ويُضعف قدرة المرأة على تحقيق استقلالها المادي والنفسي. الزواج ليس مشروعًا اقتصاديًا ولا حلًا للأزمات الشخصية، بل هو التزام مشترك يتطلب نضجًا ومسؤولية من كلا الطرفين.

الصراع المفتعل: خدمة لمصالح أكبر

من المهم أن نلاحظ أن إثارة قضية حقوق المرأة والصراع بين الرجل والمرأة في بعض الأحيان قد تكون جزءًا من أجندات أكبر تهدف إلى تشتيت الانتباه عن قضايا أخرى أكثر أهمية. ففي فترات معينة، يتم استغلال هذه القضايا الاجتماعية لصرف الأنظار عن بعض الفضائح السياسية أو لتسهيل تمرير قوانين مثيرة للجدل قد تكون في صالح فئات معينة على حساب المصلحة العامة.
هذه الاستراتيجية تُستخدم أيضًا لخلق نوع من الانشغال المجتمعي الذي يُساهم في إبعاد النقاش العام عن قضايا فساد أو سوء إدارة من قبل الحكومة. بدلاً من التركيز على الإصلاحات الحقيقية والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، يتم تحويل النقاش إلى قضايا ثانوية قد تشغل الرأي العام لفترة قصيرة ولكن دون أن تُسهم في حل المشكلة الجوهرية. الحل في العدالة والمسؤولية المشتركة

حقوق المرأة لا تتحقق بالصراع مع الرجل، بل بالتكاتف لتحقيق العدالة الاجتماعية التي تُلزم الدولة بضمان الحقوق للجميع. الخطاب الذي يُصور الرجل كخصم يُشتت الجهود ويُبقي المشاكل الحقيقية دون حل.

على الجميع أن يدرك أن الطريق إلى مجتمع أكثر عدلًا يبدأ بتجاوز الصراعات الوهمية وبناء شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة، مع تركيز الجهود على إصلاح القوانين، وتعزيز دور الدولة في حماية الأسرة ودعم الأفراد لتحقيق استقلالهم وكرامتهم.

 

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬300