من يتحمل مسؤولية فوضى النقل الحضري؟ سيارات الأجرة في مرمى الانتقادات

شهد قطاع النقل الحضري بالمغرب، وتحديدًا سيارات الأجرة من الصنف الثاني، تدهورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، بسبب مشكلات مرتبطة بمنح “رخص الثقة”. هذه الرخصة التي كان الهدف منها تنظيم المهنة وضمان معايير الكفاءة وحسن التعامل مع المواطنين، تحوّلت إلى مجال يثير الجدل والانتقادات.

رخصة الثقة: من استحقاق إلى عبث
كانت رخص الثقة تُمنح بناءً على معايير صارمة تشمل كفاءة السائق، حسن سيرته وسلوكه، والاطلاع الكامل على خريطة المدينة بما فيها الأحياء والمرافق العامة. وكان الهدف حماية حقوق الركاب، وتحسين جودة الخدمة. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت خروقات متكررة وتحولات حولت هذه الخدمة العمومية إلى أزمة حقيقية.

تم توزيع عدد كبير من رخص الثقة بشكل عشوائي، ما أدى إلى إغراق السوق بالسائقين الجدد، وخلق تنافس غير متوازن مع السائقين المحترفين الذين أمضوا عقودًا في هذا المجال. والنتيجة؟ انتشار مظاهر الإهمال، وسوء معاملة الركاب، واستخدام سيارات مهترئة، فضلًا عن ممارسات غير قانونية أحيانًا.

سيارات الأجرة في مواجهة التطبيقات الذكية
مع تزايد الاعتماد على تطبيقات النقل الذكية، تصاعد التوتر بين سائقي سيارات الأجرة التقليدية وسائقي هذه السيارات الحديثة. حادثة الاعتداء على دبلوماسي روسي وزوجته في الدار البيضاء مؤخرًا، إثر استخدامهما خدمة عبر تطبيق، سلطت الضوء على التحديات التي تواجه القطاع. هذه الحادثة تعكس غضب السائقين التقليديين من المنافسة التي تشكلها التطبيقات، لكنها أيضًا تبرز فشل القطاع في تلبية تطلعات الزبائن.

احترام المهنة: نماذج مشرّفة داخل القطاع
رغم التحديات والممارسات السلبية التي تعاني منها سيارات الأجرة، لا يمكن تعميم هذا الوضع على جميع السائقين. هناك فئة كبيرة من السائقين المهنيين الذين يُعتبرون نموذجًا يُحتذى به في احترام المهنة. هؤلاء يلتزمون بالقوانين، يتحلون بحسن الأخلاق في التعامل مع الركاب، ويحافظون على نظافة سياراتهم وهندامهم.

بفضل هؤلاء السائقين المخلصين، يظل قطاع سيارات الأجرة يحتفظ بمكانة مهمة في خدمة المواطنين، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها عبر وسائل النقل الأخرى. هم مثال للالتزام والمسؤولية، ما يجعلهم محل تقدير واحترام من الزبائن، ويبرهنون أن المهنة قادرة على استعادة بريقها إذا أُعطيت الفرصة للسائقين المحترفين للعمل في بيئة أكثر تنظيماً وعدلاً.

أزمة الثقة داخل القطاع
حالة القطاع دفعت الكثيرين للتساؤل: لماذا يُفضل المواطنون التطبيقات الذكية؟ الجواب يكمن في جودة الخدمة التي تقدمها هذه التطبيقات، من حيث النظافة، الأمان، وسهولة الاستخدام. بالمقابل، يعاني قطاع سيارات الأجرة التقليدي من ممارسات مشينة من طرف بعض السائقين الذين يسيئون للمهنة.

إصلاح القطاع: ضرورة ملحّة
في ظل هذه التحديات، يتضح أن قطاع سيارات الأجرة يحتاج إلى إصلاح جذري وشامل. ومن بين المقترحات التي يمكن أن تساهم في تحسين الوضع:

إعادة هيكلة منح رخص الثقة: اعتماد معايير أكثر شفافية وتحديد سقف للرخص الممنوحة لتجنب الإغراق.
تحسين شروط العمل: توفير تكوين مستمر للسائقين يشمل قواعد السلامة وحسن التعامل مع الركاب.
تجديد الأسطول: تشجيع السائقين على استخدام سيارات حديثة وآمنة تتماشى مع معايير النقل العصري.
تعزيز الرقابة: متابعة أداء السائقين ومعاقبة الممارسات غير القانونية.
تنظيم المنافسة مع التطبيقات الذكية: إيجاد إطار قانوني ينظم عمل هذه التطبيقات مع ضمان حق السائقين التقليديين في المنافسة العادلة.

بين سوء التنظيم والتحديات الناجمة عن دخول التكنولوجيا إلى قطاع النقل، يواجه قطاع سيارات الأجرة في المغرب منعطفًا حاسمًا. الحل يكمن في الإرادة السياسية لتطوير هذا المجال وضمان حقوق جميع الأطراف: السائقين، الركاب، وحتى مقدمي خدمات النقل الذكية. فهل يشهد القطاع إصلاحات جذرية قريبًا، أم أن الوضع سيبقى على ما هو عليه؟

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬207

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *