الراحل الدكتور الحاج إبراهيم موسى.. ابن الصحراء المغربية الوفي لوطنه

خطف فيروس كورونا المستجد، يوم الجمعة 29 يناير المنصرم، الدكتور الحاج إبراهيم الحسين موسى، الدبلوماسي والسفير السابق في جمهورية الدومينيكان، والذي يُعد أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية.

بدأ الراحل مساره العلمي والمعرفي بجزر الكناري، وانتقل لمتابعة دراسته الجامعية بمدريد بكلية الطب وتخرج حاملا مفاهيم العلم وأدوات العلاج، ليختار العمل كطبيب في وطنه بالصحراء المغربية منذ تخرجه سنة 1973، وترك اسبانيا التي كانت تريد أن يكون مسؤولها الطبي بالصحراء.

فرادة شخص الدكتور الحاج إبراهيم موسى، لا تكمن فقط في كونه أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية، بل لكونه ولج الدبلوماسية قنصلا سنة 1985، واستمر في السلك الدبلوماسي سفيرا حتى سنة 2016، وساهم في سحب 15 دولة من أمريكا اللاتينية اعترافها بالجمهورية الوهمية لجبهة البوليساريو.

مسار طويل لرجل من طينة الرجال الذين بصموا بحكمة ورزانة في ذاكرة المغرب وتركوا تاريخا شخصيا وواقعيا ساهم في بناء الدولة المغربية الحديثة والمعاصرة، وهم رجال دافعوا عن الوطن بكل تفاني على عدة جبهات.

الدكتور الحاج ابراهيم موسى، من رجال الوطن المنتمين للصحراء المغربية، وهو الشخصية المغربية الصحراوية الذي درس الطب في أكبر الجامعات الاسبانية بمدريد إبان الاستعمار، وهو سليل عائلة بقبيلة ممتدة في الصحراء المغربية، عائلة وطنية من جد إمتهن التجارة، وكان أول من وضع البناء الإسمنتي بزخرفة مغربية في الصحراء المغربية.
كان الدكتور ابراهيم موسى، أول طبيب صحراوي درس باسبانيا، ليعمل بالداخلة، وليعالج الآلاف من مواطني بلده بكل تضحية وتفاني مقدسا قسم “ابقراط” وظل قلبه دائما ينبض من أجل الوطن والدفاع عن الصحراء المغربية، وشارك في المسيرة الخضراء، وعينه الراحل الملك الحسن الثاني طبيبا رئيسيا في الداخلة ووادي الذهب حتى 1982، وبعدها بمدينة طنجة حيث نقل خبرته الطبية والعلمية من جنوب المغرب إلى شماله.

حبُّ الراحل الدكتور ابراهيم موسى لوطنه والدفاع عن قضية الصحراء، مكنته من أن ينقل خبرته إلى الدبلوماسية الدولية، حيث تم تعيينه قنصلا للمغرب بجزر الكناري حتى سنة 1992، ثم سفيرا للمغرب بالجمهورية الموريتانية سنة 1997.

وبعد نجاحه في المجال الدبلوماسي باسبانيا وموريتانيا، في مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ المغرب، في استرجاع أراضيه والانتصار لقضية الصحراء، تم تعيين الدكتور ابراهيم موسى سفيرا للمغرب بأمريكا اللاتينية، حيث عين سفيرا للمملكة بفنزويلا 2009، وفي سنة 2016 تقلد مسؤولية سفير بجمهورية الدومينكان وجزر الكرايبي، وهو المنصب الدبلوماسي الكبير في دول كانت تعتبر مؤيدة لجمهورية البوليساريو الوهمية، حيث تمكن من أن يتحرك على اكبر المستويات والواجهات ونجح في إقناع العديد من الدول في التراجع عن الاعتراف بالبوليساريو، ومكن دول أمريكا اللاتينية من التأسيس لعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية مع المغرب، وتم تراجع أكثر من 15 دولة عن الاعتراف بجمهورية الوهم …

إن ما تحقق اليوم من انتصارات دبلوماسية مغربية، خصوصا في أمريكا اللاتينية، يرجع إلى كفاءة وحنكة الراحل السفير ابراهيم موسى، وما تركه من تراكمات في العلاقات الدولية بين المملكة المغربية والعديد من الدول في أمريكا اللاتينية، حيث كان رحمه الله محاورا حكيما، ودبلوماسيا ناجحا في تقريب الرؤى والتصورات والتعريف بالمغرب وتنوعه الثقافي وحضارته التاريخية، ودحض الأطروحات الوهمية والأساطير الخرافية التي حاول بعض أعداء الوطن تمريرها.

الراحل الدكتور ابراهيم موسى، عايش عدة ملوك ورؤساء دول، وكانت لقاءاته بالراحل الملك الحسن الثاني، بمثابة خارطة الطريق ليشق طريقه في الدفاع عن بلده ووطنه المغرب، سواء كطبيب ميداني عالج الآلاف من المواطنين في زمن الأوبئة، أو كقنصل وسفير جعل من الدفاع عن وطنه مسؤولية كبرى منحها كل وقته وعقله وفكره، لمدة 17 سنة من الدبلوماسية بأمريكا اللاتينية حتى سنة 2016.

كما يعتبر الدكتور الراحل ابراهيم موسى، أول طبيب صحراوي وجامعي اختار معالجة أمراض المواطنين في الصحراء المغربية وهي تحت الحماية الاسبانية منذ سنة 1945.

وسبق أن التقى الراحل الدكتور ابرهيم موسى، بالجنرال فرانكو والأمير خوان كارلوس، ليعيش مراحل صعبة نظرا للظروف السياسية التي كانت تعيشها اسبانيا، ليختار الرجوع إلى وطنه..

كما التقى الراحل الحسن الثاني الذي قال له :”ارجع يا دكتور إلى الصحراء إذا أردت. ليس في قلبك غْرام واحد من الانفصال، وإذا أعطاك الإسبان أي مسؤولية تسلّمها، حتى ولو وضعوك على رأس دولة في الصحراء، لكن بمشيئة الله في دجنبر 1975 سأشرب معكم الشاي في العيون”.

“جملة لم أفهمها، يقول الراحل الدكتور ابرهيم موسى، المهم ذهبت إلى الدار البيضاء ومنها إلى باريس، ولم أفهم ما رمى إليه الملك الراحل إلا في 16 أكتوبر 1975 عندما أعلن سيدنا عن نداء المسيرة الخضراء. كنت حينها في الداخلة مع الوالد رحمه الله في بيته، وكنا ننصت إلى نشرة الواحدة ظهرا من الرباط، كعادتنا، وعندما سمعنا نداء المسيرة من طرف الملك، في 16 أكتوبر 1975، قلت للوالد إن سيدنا سيشرب فعلا معنا الشاي في دجنبر….”

رحم الله الفقيد الدكتور إبراهيم الحسين موسى واسكنه فسيح جناته والهم ذويه الصبر والسلوان…

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬205