سعيد الكحل
تخوض الجزائر حربا إعلامية شرسة وخسيسة ضد المغرب، وهي الدولة التي لم يلحقها أذى من استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية من قبضة الاستعمار الإسباني؛ بل كان المغرب سندا وحضنا آمنا لرموز المقاومة الجزائرية طيلة فترة الاستعمار الفرنسي لها. ما تسعى الجزائر لافتعاله من صراع ضد المغرب يضر بالجزائر مباشرة قبل غيرها. ذلك أن الإنفاق العسكري يكلف الجزائر، على أقل تقدير، 25 في المائة الميزانية العامة للدولة، أي 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. فمبلغ 13 مليار دولار الذي ينفق سنويا على السلاح كان أولى أن يوجه لتحسين الأوضاع الاجتماعية التي وتدفع كثيرا من المناطق للاحتجاج بسببها. ومن زار ويزور الجزائر سيدرك سبب افتقار الدولة حتى إلى البنيات التحتية (طرق سيارة تربط بين جهات الدولة، قناطر بالمعايير الدولية، مطارات تشرّف الشعب الجزائري، سدود تسد احتياجات الساكنة والفلاحة إلى المياه…).
فليس هناك غير تكديس السلاح الذي تفقده الأعوام صلاحيته (في غشت 2020 أبرمت الجزائر مع روسيا صفقة لشراء 18 طائرة حربية من طراز “سوخوي 35” لتعويض طائرات ميغ 25 التي انتهت صلاحيتها). فما جدوى أن تُصنف الجزائر القوة العسكرية الرابعة في إفريقيا من حيث عدد أفراد القوات المسلحة، والثانية في إفريقيا والثالثة والعشرين في العالم من حيث التسلح وعدد الطائرات الحربية والقوة البحرية، بحسب الموقع الأمريكي المتخصص بشؤون الدفاع “غلوبل فاير باور” إذا كانت كل هذه الترسانة العسكرية عاجزة عن رصد تحركات التنظيمات الإرهابية وإفشال مخططاتها (الهجوم الإرهابي الذي شنه إرهابيو تنظيم القاعدة في يناير 2013، على أكبر مشروع للغاز الطبيعي المسال على مستوى البلاد بعين أميناس، والذي أسفر عن مقتل 32 مسلحا و23 رهينة من جنسيات مختلفة، أو الهجوم الإرهابي بصاروخ بمنطقة عين صالح حيث يوجد حقل خرشبة، الذي تستثمره بشكل مشترك مجموعات سوناطراك الجزائرية وبريتش بتروليوم البريطانية وستات-أويل النروجية)؟ إن استمرار الهجمات الإرهابية التي تستهدف الجيش الجزائري على امتداد العام يفند مزاعم الرئيس عبد المجيد تبون بضرورة تأمين الحدود “بعتاد وتجهيزات متطورة، خاصة في مجال الاستطلاع والحرب الإلكترونية، بما يضمن الكشف المبكر عن أي تهديد أيا كان نوعه ومصدره”.
كل أقنعة الجزائر تساقطت دفعة واحدة أمام كفاءة وحنكة المؤسسة العسكرية في تطهير معبر الڴرڴارات دون إطلاق رصاصة واحدة أو تعنيف عناصر العصابة. أمر لم تستسغه الجزائر وهي التي خططت لتوريط المغرب في “أعمال عنف” ضد قطاع الطرق لتستغلها ورقة تتاجر بها دوليا بعد أن فقدت الأمل في جدوى المطالبة بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو حين تعاملت السلطات المغربية بكل حكمة وهدوء مع استفزازات الانفصالية أميناتو حيدر. هدوء وحكمة وحزم في مواجهة مرتزقة البوليساريو، عناصر أججت سُعار السلطة الجزائرية وأخرجتها عن اللياقة السياسية والدبلوماسية بأن باتت تنعت المغرب “بالعدو الكلاسيكي” وتتهمه باستهداف أمنها ووحدتها الترابية. عدو كلاسيكي بمعنى عدو أبدي لا صلح معه على الإطلاق. إنها سخافة ما بعدها سخافة لا تستحضر حتى المنطق السياسي الذي يؤمن بأن المصالح تتجاوز العداء والإيديولوجيات.
فها هي الڴرڴارات تكشف عن الوجه الحقيقي للجزائر وخلفيات سعيها الخبيث لاستغلال قضية وحدتنا الترابية لتحقيق عدد من الأهداف: أبرزها ما جاء في كلمة رئيس برلمانها “المجلس الشعبي الوطني”، سليمان شنين، يوم الثلاثاء 17 نونبر2020 أثناء الجلسة التي خصصت للتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2021 ومشروع القانون المتعلق بالوقاية من جرائم اختطاف الأشخاص ومكافحتها، أن الجزائر “حيث سعى إلى إيهام النواب، وخلفهم الشعب الجزائري، بأن المغرب يشكل خطرا حقيقيا على أمن الجزائر واستقرارها لدرجة أنه طالب كل الأطراف الجزائرية بإدراك المخاطر والعمل على تعزيز وتمتين الجبهة الداخلية للبلاد”. الهدف هنا هو إسكات المعارضة وتأجيل المطالب الاجتماعية.
هكذا يستغل حكام الجزائر الصراع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية لتصدير المشاكل الداخلية إلى الخارج وصد انتباه الشعب عن جذورها حتى يبقى منشغلا “بالعدو الكلاسيكي” فلا يسائل الحكام عن مصير ثرواته الوطنية التي يوهمه الحكام أنها تنفق لتأمين البلاد وحماية وحدتها. ومن سخافة رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري قوله “إن البلاد باتت مستهدفة بسبب الانسجام الكبير بين المؤسسات الدستورية وتمسك كل الجزائريين بالمسار الدستوري وبرئيسهم عبد المجيد تبون، إلى جانب وجود جيش قوي مهمته الدفاع عن أمن الحدود ومواجهة كل ما يمكنه المساس بوحدة البلاد”. فقد تناسى أن بلاده هي من يهدد أمن المغرب وتدعم المرتزقة بعد أن احتضنتهم وسلحتهم. لم تنته بلادة رئيس البرلمان هذا عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى الربط بين تطهير معبر الڴرڴارات من قطاع الطرق واستهداف طموح الجزائر لتكون أكبر قوة في المنطقة “ندرك جيدا ما يحاك لبلادنا، لدينا برنامج طموح لتكون الجزائر أقوى دولة في المنطقة تستمد قوتها من الله تعالى ثم شعبها”. أكيد أن الجزائر تطمح لتكون “أقوى دولة” في المنطقة، لكن بالعمل على تمزيق الدول المجاورة وزعزعة استقرارها.
لهذا نجدها تعد البوليساريو بالمال والسلاح والإعلام حتى يبقى المغرب منشغلا بالحرب والتسلح عن بناء وتطوير اقتصاده الوطني، لكن هيهات، فرغم الحرب المفروضة على المغرب أنجز أوراشا اقتصادية بوأته الصدارة في إفريقيا، فضلا عن دبلوماسيته الرزينة في فض النزاعات ودعم السلام حظي بتثمين وتنويه دولي وأممي؛ في الوقت الذي تعمل الجزائر على تأجيج الخلافات بين الأطراف السياسية داخل دول الجوار (ليبيا، مالي). ولعل هذا ما نبه إليه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة حين دعا الليبيين إلى “عدم إهدار طاقتهم في إيجاد وسطاء آخرين لمتابعة الحوار، والتركيز على إيجاد حلول للمشاكل المطروحة”، مذكّرا إياهم بأن “التدخل الخارجي أدى إلى تعقيد الأمور، لأن ليبيا أصبحت اليوم، للأسف، رهاناً دبلوماسياً بالنسبة إلى دول أخرى”. وبالفعل ما يقترب الليبيون من الحلول لخلافاتهم حتى تتدخل الأطراف الخارجية، ومنها الجزائر، لإدامتها.
سقطت، إذن، كل أقنعة الجزائر، وباتت أهدافها واضحة من إطالة أمد الصراع والحرب المفتعلة ضد المغرب. لهذا، وأمام العداء المقيت الذي تكنه سلطات الجزائر للمغرب، فلا خيار أمامنا غير تقوية جبهتنا الداخلية والاستعداد للحرب كما للسلام. فما كانت يوما الجزائر تشكل عقدة النقص لنا.