مع كل تساقطات مطرية، تعود شوارع وأزقة مدينة القليعة لتغرق في مشهد بات مألوفًا لدى الساكنة، لكنه يثير في كل مرة موجة جديدة من الغضب والاستياء، خصوصًا حين تتحول الطرقات إلى برك مائية تعيق حركة السير وتُلحق أضرارًا بالمحلات التجارية والمنازل، كما توثق ذلك الصور المتداولة من قلب المدينة.
هذا الوضع أعاد إلى الواجهة إشكالية تدبير شبكة الصرف الصحي ومسؤولية المتدخلين، خاصة بعد التدوينة التي نشرها رئيس جماعة القليعة، والتي أكد فيها أن مصالح الجماعة ما تزال، إلى حدود الساعة، تشتغل على إزالة الأزبال المتراكمة داخل البالوعات، مشيرًا في المقابل إلى “غياب تام” لمصالح الشركة الجهوية المتعددة الخدمات سوس ماسة (SRM).
تصريح رئيس الجماعة لم يمر دون رد، إذ سارعت شركة SRM إلى إصدار توضيح ، أكدت فيه أن فرقها التقنية قامت بأكثر من 90 تدخلًا ميدانيًا على مستوى شبكات الصرف الصحي بجماعة القليعة، مع التجاوب السريع مع جميع البلاغات، وتسخير شاحنات الشفط الهيدروليكية، إلى جانب تدخل فرق الصيانة بمحطات الضخ والتصفية.

وأوضحت الشركة أن منشآت الصرف الصحي استقبلت كميات كبيرة من الأزبال، وهو ما يشكل، حسب تعبيرها، عائقًا حقيقيًا أمام تصريف مياه الأمطار حتى في الظروف العادية، مؤكدة التزامها المتواصل بخدمة المواطنين والعمل في مختلف الظروف.
غير أن هذا التراشق غير المباشر في التصريحات، بدل أن يطمئن الساكنة، زاد من حدة التساؤلات حول مستوى التنسيق بين الجماعة والجهة المفوض لها تدبير القطاع، وحول من يتحمل فعليًا مسؤولية الاستباق والوقاية بدل الاكتفاء بردود الفعل بعد وقوع الضرر.

وفي خضم هذا الجدل، برز صوت المواطنات والمواطنين بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لخص أحد المواطنين الموقف بتعليق لافت قال فيه:
“راه أنت ممثل سكان الجماعة أمام جميع الإدارات… وإذا غادي تبقى تناقش معانا الحلول فالفايسبوك وتشكي لينا أنهم ما كيجاوبوك، أشنو الفرق بينك وبين مواطن عادي؟ راك منتخب لتمثل السكان.”
تعليق يعكس أزمة ثقة متنامية، ويطرح سؤالًا جوهريًا حول دور المنتخب المحلي: هل هو ناقل للشكاوى فقط، أم مفوض عنه الدفاع عن مصالح الساكنة وفرض التنسيق والنجاعة بين مختلف المتدخلين؟

أمام تكرار مشاهد الغرق، يبدو أن الحل لا يكمن في تبادل البلاغات، بل في تفعيل آليات الحكامة، والتخطيط الاستباقي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن المتضرر الأول والأخير يظل هو المواطن، الذي لا تعنيه الجهة المسؤولة بقدر ما يعنيه حقه في شوارع سالكة وبنية تحتية تحميه من كوارث موسمية تتكرر بلا نهاية.












