جدل هدم قصر بوسكورة: القانون يُفصح… والمسؤوليات مشتركة

أثار قرار هدم قصر ضيافة مشيدة في منطقة فلاحية ببوسكورة إقليم النواصر، جدلاً واسعاً بين الرأي العام والمستثمرين، بعد الخسائر المالية الكبيرة التي تكبّدها صاحب المشروع.

وبينما اعتبر البعض القرار قاسياً، قدمت أسماء بلدي الخبيرة العقارية تفسيراً قانونياً يسلّط الضوء على خلفيات الملف، مؤكدة أن الهدم كان مؤلماً بلا شك لأنه يمس استثماراً ضخماً وجهداً سنوات طويلة، لكنه أوضحت أن البناء تم على أرض مصنّفة فلاحية ، ما يجعل أي مشروع غير مرتبط بالنشاط الزراعي مخالفاً للقانون.

وأوضحت الخبيرة أن القانون المغربي واضح في هذا الجانب، حيث أن الأراضي الفلاحية ليست مجالاً مفتوحاً لبناء الفيلات أو المشاريع السياحية، والمسموح فقط هو المنشآت المرتبطة مباشرة بالنشاط الزراعي مثل مساكن الفلاحين والإسطبلات والمخازن الفلاحية والمرافق الإنتاجية، وأي استعمال آخر يعدّ خرقاً قانونياً مهما كان حجم المشروع.

وأشارت الخبيرة إلى أن القضية تبرز أهمية احترام قوانين التعمير والتخطيط العمراني منذ البداية، مؤكدة أن العديد من المستثمرين يقعون في خطأ البناء على أراضٍ غير مصنفة بسبب نقص المعلومات أو الثقة في تساهلات ظرفية أو ضعف مراقبة السلطات في المراحل الأولى من الأشغال، وهو ما يؤدي في النهاية إلى قرارات قاسية مثل الهدم.

ومن جانب آخر شددت الخبيرة على أن مسؤولية احترام القانون لا تقع فقط على صاحب المشروع، بل أيضاً على الأجهزة المشرفة والمهنيين الذين يوافقون على مخططات خارج الإطار القانوني، موضحة أنه لو كانت هناك مراقبة صارمة منذ البداية لما وصل الأمر إلى هذا الحد، وأن الهدم ليس انتقاماً من المستثمر بل تطبيق لقاعدة تهدف إلى حماية المجال الفلاحي وضمان العدالة بين الجميع.

وأوضحت أن هذه القضية تحمل دروساً مهمة للمستثمرين أبرزها ضرورة التأكد من تصنيف الأرض قبل أي مشروع واحترام القوانين العمرانية وعدم المجازفة خارج إطارها واستشارة مهنيين مختصين قبل إطلاق أي استثمار وإدراك أن مخالفة القانون مهما كانت النوايا قد تؤدي إلى عواقب مكلفة، مؤكدة أن القانون قد يبدو صعباً أحياناً لكنه يبقى الضامن الوحيد للاستقرار وحماية الأراضي الفلاحية وتنظيم المجال العمراني بطريقة عادلة.

من جهتها قالت الخبيرة العقارية سهام الكمراوي، أن ما يعيشه المستثمرون في المغرب ليس مجرد حالة فردية، بل يعكس فجوة كبيرة بين ما يعتبره المستثمر حقاً مكتسباً وبين ما تراه الإدارة مخالفة قانونية تبرر إصدار أوامر الهدم. وأكدت أن العديد من المشاريع تتعرض لمثل هذه الإشكالات ليس نتيجة خرق متعمد للقانون، بل بسبب تعدد الجهات المتدخلة واختلاف التأويلات القانونية.

وقالت الكمراوي: “الحصول على رخصة بناء أو تهيئة يفترض أن يمنح صاحب المشروع حدًا أدنى من الاستقرار القانوني. لكن الواقع العملي يوضح أن الرخص لا توفر هذا الاستقرار، لأن الإدارة قد تعيد تقييم المشروع عند ظهور معطيات جديدة، أو تغير المسؤولين، أو تدخل جهات أخرى لها سلطة تقريرية.”

من جانبها، ترى الإدارة أن منح الرخصة لا يمنح المشروع حماية مطلقة، إذ يمكن سحب الترخيص إذا تبين أن المنح تم على أساس معطيات غير دقيقة أو لم تراعي التنظيم العمراني، مثل التصاميم المصادق عليها، المناطق الخضراء، أو وضعية الملكية العقارية. وتشير الكمراوي إلى أن هذا المبدأ “متجذر في الاجتهاد القضائي المغربي، الذي يمنح الإدارة سلطة واسعة لحماية النظام العام العمراني.”

وتؤكد الخبيرة العقارية أن تعقيد النصوص القانونية وتداخلها مع تعدد الجهات المسؤولة يجعل أي خطأ مسطري بسيط سبباً لرفض المشروع أو سحب الترخيص أو إصدار أمر بالهدم. وقد توقفت العديد من المشاريع الاستثمارية بسبب جزئيات تقنية صغيرة لم يتم التنبه إليها منذ البداية، وهو ما يبرز ضعف المراقبة وعدم الانسجام بين مختلف المصالح.

وأوضحت الكمراوي أن البيئة الاستثمارية في قطاع البناء والتعمير تحتاج إلى إصلاح شامل، من خلال تبسيط مساطر الترخيص، توحيد المرجعيات القانونية والتنظيمية، تحقيق تنسيق أفضل بين السلطات المحلية والمؤسسات المكلفة بالتصميم والمراقبة.

 

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬111