إنزكان آيت ملول – خاص
في قرار لافت يعكس دقة المرحلة التي تمر بها الإدارة الترابية، عينت الدولة السيد محمد الزهر عاملاً جديداً على عمالة إنزكان آيت ملول، ليخلف العامل المُعفى. هذا التعيين ليس مجرد تبديل إداري روتيني، بل هو تأكيد واضح على أن الدولة، في لحظات التحول ومواجهة الاختلالات، تراهن على “رجال الخبرة” الذين أثبتوا قدرتهم على تدبير الأزمات وامتصاص التوترات بهدوء ومسؤولية.
محمد الزهر، الذي تجاوز الثانية والستين من العمر، يعود إلى الواجهة الميدانية محملاً برصيد نوعي من التجارب الإدارية التي خاضها في نقاط مفصلية من الخريطة المغربية.
من الرشيدية إلى الحسيمة: صانع الهياكل ومُدير الغضب
مسار الزهر يروي قصة مسؤول مرن قادر على العمل في أصعب الظروف الإدارية والاجتماعية:
مهندس التقسيم الجهوي بالرشيدية (2015): في هذا التوقيت الاستثنائي، كان الزهر أول من أشرف فعلياً على تنزيل الورش الهيكلي لجهة درعة تافيلالت. وقد أبان عن كفاءة في بناء الهيكل الإداري الجديد من الصفر، وضبط العلاقة بين الإقليم والجهة الناشئة، مما أكسبه ثقة واسعة داخل وزارة الداخلية.
إدارة الحوار الصعب بالحسيمة (2016): تولى الزهر الإقليم في خضم أزمة اجتماعية متصاعدة بعد “زلزال بحر البوران”. وفي موقف نادر، اختار لغة الحوار الميداني، مخاطباً المحتجين مباشرة بعبارته الشهيرة: «أنا هنا لأسمعكم وأبلّغ رسالتكم». هذا النهج جنب المنطقة مزيداً من التصعيد، وأثبت أن الزهر يمتلك قدرة نادرة على امتصاص الغضب وتدبير الأزمات الاجتماعية دون مواجهة.
تحدي “كوفيد” في مطار محمد الخامس (2019): انتقل الزهر ليدير أكبر بوابة جوية للمملكة، مطار محمد الخامس، حيث أشرف على إصلاحات تنظيمية أعقبت انتقادات، ثم واجه التحدي الأكبر: جائحة “كوفيد-19”. نجح في إدارة عمليات الإجلاء والرحلات الاستثنائية بفعالية، مؤكداً أنه إداري هادئ لا يتأثر بالضغوط الأمنية والصحية والإنسانية.
إنزكان آيت ملول: ملف الاختلالات ينتظر “رجل الانضباط”
بعد كل هذه التجارب، تعود الدولة لتستدعي الزهر سنة 2025 إلى الميدان الترابي عبر بوابة عمالة إنزكان آيت ملول. المنطقة، التي تعد قطباً حيوياً في جهة سوس ماسة، تعيش على وقع ملفات شائكة ومعقدة، أدت مؤخراً إلى إعفاء العامل السابق.
المرحلة القادمة في إنزكان آيت ملول تتطلب إدارة تنفيذية قوية، قادرة على:
معالجة الاختلالات المتراكمة في التدبير الحضري وسوء الحكامة.
تنظيم النمو الحضري المتسارع وضبط البنية التحتية.
استعادة الثقة المفقودة بين الإدارة والمواطنين، استعداداً للاستحقاقات الانتخابية المقبلة
إن اختيار محمد الزهر، حتى بعد بلوغه سن التقاعد الإداري، هو تأكيد على أن الأداء والقدرة على الإنجاز هما المعيار الحقيقي في تولي المسؤوليات الحساسة، وليس السن.
رسالة مزدوجة.. الخبرة لا تُحال على التقاعد
إن تعيين الزهر يحمل رسالة سياسية وإدارية مزدوجة من الدولة:
أولاً: أن الأطر المجربة ستُعاد توظيفها في المراحل الحساسة والمعقدة لضمان الاستقرار وتحقيق الإصلاح المنهجي.
ثانياً: أن نموذج التدبير الجديد في الأقاليم التي شهدت اختلالات يجب أن يقوم على الخبرة، والهدوء، والانضباط، والقدرة على امتصاص الأزمات دون إثارة.
اليوم، يقف محمد الزهر على عتبة الثالثة والستين، ليقود واحدة من أكثر العمالات دينامية وحساسية، مجسداً بذلك المقولة التي تؤمن بها الدوائر العليا للدولة: “الخبرة لا تُحال على التقاعد، بل تُستدعى عندما تشتد الحاجة إليها.” إنزكان آيت ملول اليوم تنتظر منه إدارة قادرة على التشخيص الواقعي والقرار الجريء، لطي صفحة الاختلالات وفتح باب الإصلاح.