في خطابه السامي أمام البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية، دعا جلالة الملك محمد السادس نواب الأمة إلى العمل بروح الجدية والمسؤولية، وإلى تجاوز الحسابات الضيقة من أجل تحقيق تنمية متوازنة تُسهم في تحسين ظروف عيش المواطنين.
خطاب ملكي سياسي بامتياز، وضع خطوطًا واضحة لمسار “المغرب الصاعد” الذي يقوم على العدالة المجالية، والفعالية في التنفيذ، ومحاسبة الأداء العمومي.
هذه الرسائل لم تمرّ مرور الكرام في جهة سوس ماسة، وبالخصوص في إقليم اشتوكة آيت باها، الذي يُعتبر نموذجًا مصغرًا لتحديات التنمية الترابية بالمغرب.
اشتوكة… إقليم فلاحي بثغرات اجتماعية وتنموية
رغم أن اشتوكة آيت باها تُعد من المحركات الفلاحية الكبرى للمغرب وتساهم بقوة في الصادرات الوطنية، فإن واقعها الاجتماعي ما يزال يطرح أكثر من علامة استفهام.
ففي عدد من جماعات الإقليم، تعاني الساكنة من ضعف الخدمات الصحية، والهشاشة التعليمية، وغياب البنيات الرياضية والثقافية، فضلاً عن مشاكل الماء الصالح للشرب والبنيات التحتية القروية.
جلالة الملك، حين تحدث عن “جيل جديد من المشاريع الترابية”، وعن ضرورة محاربة الفوارق المجالية، كأنه يُوجّه الحديث إلى أقاليم مثل اشتوكة التي تنتظر منذ سنوات ترجمة الخطابات إلى مشاريع ملموسة ترفع عن الساكنة مظاهر التهميش.
الجدية.. رسالة ملكية موجهة للمنتخبين
الخطاب الملكي لم يكن مجرد توصية، بل دعوة صريحة للمحاسبة وإعادة تقييم الأداء السياسي على المستوى المحلي.
وفي هذا السياق، تبدو الرسالة أكثر وضوحًا بالنسبة لمنتخبي إقليم اشتوكة آيت باها، حيث لا تزال بعض الجماعات تُعاني من صراعات داخلية وغياب التنسيق بين أعضائها، مما يُفرمل التنمية ويُعطل مصالح المواطنين.
جلالة الملك شدد على أن “الجدية هي مفتاح النجاح”، وهي عبارة تختزل واقع الحال في الإقليم، حيث يُنتظر من المنتخبين أن يتجاوزوا الخلافات الضيقة، وأن يشتغلوا بروح الفريق لخدمة الصالح العام، لا لخدمة أجندات حزبية أو مصالح شخصية.
العامل الجديد… أمل في مرحلة جديدة
ويُعقد اليوم أمل كبير على العامل الجديد للإقليم، السيد محمد سالم الصبتي، الذي عُيّن مؤخرًا على رأس عمالة اشتوكة آيت باها، لقيادة مرحلة جديدة عنوانها الفعالية، والإنصات، والتنسيق المؤسساتي.
فالإقليم في حاجة إلى مقاربة جديدة تعتمد على تعاون حقيقي بين الإدارة والمنتخبين، خاصة وأن بعض هؤلاء المنتخبين – كما يصفهم بعض المراقبين – ما زالوا “يغردون خارج السرب”، غير منسجمين مع أولويات التنمية التي رسمها الخطاب الملكي.
العامل الجديد أمام تحدٍ مزدوج:
من جهة، تسريع وتيرة المشاريع المتعثرة، ومن جهة أخرى إرساء مناخ ثقة وتعاون بين كل الفاعلين المحليين من أجل تنزيل الرؤية الملكية في بعدها الترابي والإنساني.
نحو اشتوكة صاعدة ضمن “المغرب الصاعد”
الخطاب الملكي أكد أن مستوى التنمية المحلية هو المرآة الحقيقية لمغرب صاعد ومتضامن.
وإذا كانت اشتوكة آيت باها تطمح إلى أن تكون جزءًا من هذا المغرب الجديد، فعليها أن تُعيد ترتيب بيتها الداخلي، وأن تُراهن على الكفاءة بدل الولاء، والجدية بدل الشعارات.
المرحلة المقبلة تتطلب عملاً مشتركًا، وتنسيقًا محكمًا، وقرارات جريئة تُعيد الثقة للمواطنين.
فلا يمكن الحديث عن مغرب صاعد، ما لم تكن اشتوكة صاعدة بدورها، تنعم بعدالة مجالية حقيقية، وتنمية تعود بالنفع على جميع أبنائها.
الصورة من الأرشيف