على الرغم من الجهود المبذولة والإصلاحات القانونية التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة، لا يزال ملف تأهيل وإعادة تأهيل الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب يواجه تحديات بنيوية عميقة. فبعد عقود من التهميش وغياب الاهتمام الجاد في السياسات العمومية، بدأت بوادر التحول تظهر بشكل ملموس، خصوصاً بعد السنة الدولية للأشخاص المعاقين في عام 1981، والتي شكلت نقطة انطلاق لوعي متزايد بحقوق هذه الفئة.
من المقاربة الإحسانية إلى الحقوقية: تحول لم يكتمل بعد
لقد عانت فئة الأشخاص في وضعية إعاقة طويلاً من التعامل معها من منظور إحساني أو خيري، يركز على المساعدات الظرفية دون معالجة الأسباب الجذرية للعراقيل التي تواجهها. ومع أن المغرب قد صادق على العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ووضع قوانين تهدف إلى حماية حقوق هذه الفئة، إلا أن الواقع على الأرض يكشف عن فجوة كبيرة بين النصوص التشريعية والتطبيق الفعلي.
إن التحول الحقيقي نحو مقاربة حقوقية شاملة يتطلب أكثر من مجرد قوانين. فهو يستدعي تغييرًا في العقليات، وتنسيقًا فعالًا بين مختلف القطاعات الحكومية والمجتمع المدني، ورؤية استراتيجية واضحة تضع الشخص في وضعية إعاقة في صلب أي سياسة عمومية.
عراقيل تعيق مسار الإدماج الفعلي
تتعدد التحديات التي تعترض مسار تأهيل وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة، ومن أبرزها:
نقص البنيات المتخصصة: ما تزال المراكز والمؤسسات المتخصصة في التأهيل الجسدي والنفسي والمهني غير كافية، خاصة في المناطق القروية والنائية، مما يحرم فئة واسعة من حقها في الرعاية والعلاج.
ضعف الموارد البشرية: يعاني القطاع من نقص حاد في الأخصائيين المؤهلين، من أطباء إعادة التأهيل، ومعالجي النطق، وعلماء النفس، وغيرهم من الكوادر التي تلعب دورًا محوريًا في مسار التأهيل.
غياب التنسيق الفعال: لا تزال الجهود المبذولة متفرقة بين عدة قطاعات (الصحة، التعليم، الشغل، التضامن)، مما يؤدي إلى هدر في الموارد وتشتت في الرؤى، وغياب استراتيجية مندمجة تضمن استمرارية الدعم.
صعوبة الولوجيات والتعليم الدامج: لا تزال العديد من الفضاءات العمومية، ووسائل النقل، وحتى المؤسسات التعليمية، غير مهيأة لاستقبال الأشخاص في وضعية إعاقة، مما يقوض حقهم في التعليم والاندماج الاجتماعي. كما أن مفهوم “التعليم الدامج” يواجه صعوبات في التطبيق بسبب نقص التجهيزات والدعم التربوي المتخصص.
الطريق إلى الأمام: إرادة سياسية وتكامل جهود
إن النهوض بأوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب يتطلب اليوم إرادة سياسية قوية، تترجم التوصيات والقوانين إلى إجراءات عملية وملموسة. يجب أن تكون هناك استراتيجية وطنية مندمجة، تشارك فيها جميع الأطراف المعنية من قطاعات حكومية، ومجتمع مدني، وقطاع خاص، والأهم من ذلك، ممثلو الأشخاص في وضعية إعاقة أنفسهم.
إن الانتقال من المقاربة الإحسانية إلى المقاربة الحقوقية ليس مجرد شعار، بل هو التزام يضمن لهذه الفئة حقوقها الكاملة في الصحة، والتعليم، والعمل، والمشاركة الاجتماعية، والولوج إلى جميع فضاءات الحياة العامة. فدمجهم في المجتمع هو مسؤولية جماعية، ومقياس حقيقي لمدى تقدم المجتمع وتحضره.