إنزكان أيت ملول: عندما تصبح “الغيرة على القانون” قناعاً لتصفية الحسابات

في خطوة مفاجئة ومثيرة للتساؤلات، تلقت وزارة الداخلية شكاية مجهولة المصدر، يدعي أصحابها أنهم أعضاء بالمجلسين الجماعيين لآيت ملول والقليعة، للطعن في قانونية مشروع استثماري تقوده شركة SENEPROS. هذه الشكاية، التي تتهم جهات محلية بالتواطؤ والسكوت، لا تثير الدهشة بقدر ما تثير الشكوك حول دوافعها وتوقيتها. السؤال الذي يتردد على نطاق واسع في الكواليس المحلية هو: من المستفيد من استهداف هذا المشروع دون سواه، ولماذا الآن؟

الانتقائية الفجّة: لماذا هذا المشروع تحديداً؟
شهدت المنطقة على مدى السنوات الماضية توسعاً عمرانياً سريعاً، لم يخلُ من الجدل والاختلالات. مشاريع بُنيت دون احترام الضوابط، تجزئات حصلت على رخص في ظروف غامضة، وأخرى أُنشئت خارج تصاميم التهيئة. هذه الخروقات، التي يعرفها الخاص والعام، لم تحرك ساكناً، ولم يسبق أن وُجهت بشأنها شكاية واحدة لوزير الداخلية. بل تم التغاضي عنها بشكل يثير الريبة، وكأن هناك انتقائية مقصودة في من يجب “فضحه” ومن يجب السكوت عنه.

إذا كان هؤلاء “الغيورون على القانون” يمتلكون هذه الحرقة فعلاً، فلماذا لم يتحركوا سابقاً؟ ولماذا لم يُطالبوا بفتح تحقيق في ملفات ضخمة ظلت طي الكتمان؟ هل المشروع المستهدف اليوم هو الوحيد الذي يمس مصلحة “جهات معينة”؟ هذه الانتقائية تفضح أن الدافع وراء الشكاية قد لا يكون حرصاً على تطبيق القانون، بل استهدافاً مشروعاً لأغراض أخرى.

شكاية مجهولة… بدلالات سياسية واضحة
لا يمكن فصل السياق السياسي عن هذه الخطوة. المشروع الذي تم استهدافه يتم بدعم مباشر أو غير مباشر من برلماني يحظى بنفوذ سياسي وانتخابي متصاعد، وربما يُنظر إليه من طرف خصومه كـ”تهديد انتخابي” في أفق الاستحقاقات المقبلة. هنا يظهر الوجه الآخر للقضية: هل الشكاية أداة قانونية أم مناورة سياسية بأدوات بيروقراطية؟

حين تستهدف جهة واحدة فقط، وتُستثنى مشاريع أكثر تعقيداً وغموضاً، فإن الحديث عن “الحرص على احترام القانون” يفقد مصداقيته. هذا التكتيك، الذي يرتدي ثوب القانون، يبدو أقرب إلى محاولة لعرقلة مشروع استثماري قد يكون له تأثير على المشهد الانتخابي المستقبلي، أو قد يعكس نجاحات تُحسب لخصوم سياسيين.

الخوف من الانتقام… أم الخوف من المواجهة؟
تذرع أصحاب الشكاية بـ”الخوف من الانتقام” لعدم الكشف عن أسمائهم، هو ذريعة لا تصمد أمام منطق الواقع. فهؤلاء، بصفتهم منتخبين، يملكون قنوات رسمية للمساءلة والتبليغ، ولا أحد يمكنه قانوناً أن يعرضهم لأي تهديد، خصوصاً إن تعلق الأمر بشكاية موجهة لوزارة الداخلية، أعلى جهة وصية في التراب.

وبالتالي، فإن التخفي قد لا يكون سببه الخوف من الانتقام، بل من انكشاف الدوافع الحقيقية خلف الشكاية، التي قد تكون ذات طابع انتخابي، تجاري، أو حتى شخصي، لا علاقة لها بالغيرة على القانون أو الصالح العام.

الانتقائية تسيء للقانون أكثر مما تخدمه
التبليغ عن الخروقات، إن وجدت فعلاً، حق وواجب. لكن حين يتحول إلى أداة استهداف انتقائية، فإن مبدأ العدالة يفقد توازنه، ويصبح القانون نفسه أداة لخدمة صراعات محلية ضيقة. الرأي العام، الذي أصبح أكثر وعياً، يميز بسهولة بين شكاية صادقة تدافع عن الشفافية، وشكاية مريبة لا تطال إلا من “يعكر مزاج مصالح معينة”.

فمن أراد تطبيق القانون، فليفتحه على الجميع، لا أن يحوله إلى سيف بيد فئة، ودرع لفئة أخرى. إن استهداف الاستثمار بهذه الطريقة لا يضر فقط بالمشروع المعني، بل يسيء أيضاً إلى مناخ الأعمال ويقوض الثقة في المؤسسات. متى ستتوقف هذه الممارسات التي تستغل القانون كأداة للتصفيات السياسية والشخصية؟

الأخبار ذات الصلة

1 من 762

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *