بعد أيام من الشد والجذب، وخطوة احتجاجية غير مسبوقة شارك فيها رئيس جماعة تبانت نفسه، اختتمت “مسيرة الكرامة والعدالة المجالية” لسكان دواوير أيت بوكماز بإقليم أزيلال مسارها السلمي بنجاح، وذلك عقب اجتماع “مثمر” جمع ممثلي المحتجين بعامل الإقليم. هذا اللقاء أسفر عن تعهدات فورية بالاستجابة لجميع المطالب الأساسية للسكان، ليضع بذلك حداً للمسيرة التي شدّت إليها أنظار الرأي العام الوطني.
تجاوب “فوري” لعامل الإقليم وتعهدات بالتنزيل
أفادت “اللجنة الإعلامية لاحتجاجات آيت بوكماز” أن عامل أزيلال أبدى اهتماماً كبيراً بالمشاغل التي طرحها السكان، معرباً عن استعداد السلطات الإقليمية “لتنزيل كافة المطالب المشروعة في أقرب الآجال”. هذا التجاوب السريع، الذي أتى في أعقاب وصول المسيرة إلى مقر العمالة، يمثل نقطة تحول في الأزمة، وقد ساهم بشكل كبير في “تغليب صوت الحوار والعقل”، منهياً المسيرة بشكل سلمي وبناء، بعيداً عن أي تصعيد.
كانت مطالب ساكنة أيت بوكماز واضحة ومحددة، وتتمثل في جملة من الحقوق الأساسية التي طالما نادت بها المناطق الجبلية النائية، وهي:
البنية التحتية: إصلاح وتهيئة الطريق الجهوية 302 (تيزي نترغيست) والطريق 317 (آيت عباس)، وتوفير وسائل النقل الأساسية لفك العزلة، وخاصة النقل المدرسي لمحاربة الهدر المدرسي.
الصحة: توفير طبيب قار بالمركز الصحي المحلي وتجهيزه، وتحسين الولوج للخدمات الصحية وتقريبها إلى الساكنة، وتوفير سيارة إسعاف.
الاتصالات والشباب: توفير تغطية شاملة لشبكة الهاتف والإنترنت، وإحداث ملاعب القرب وفضاءات خاصة بالشباب.
التكوين والتنمية: الدعوة لفتح مركز تكوين في المهن الجبلية يتماشى مع خصوصيات المنطقة ويوفر فرص شغل محلية.
التعليم والماء: بناء مدرسة جماعية للتشجيع على الدراسة، خاصة في وسط الفتيات، وبناء سدود تلية لحماية الهضبة من الفيضانات، وربط الدواوير بشبكة الماء الصالح للشرب.
شكر شعبي ودعوة للمتابعة.. “الانتفاضة مستمرة حتى تحقيق المطالب”
في بلاغ رسمي موجه للرأي العام، عبر أبناء أيت بوكماز عن خالص شكرهم وامتنانهم لكل الجهات التي ساندتهم في نضالهم السلمي، مشيدين بالدور الذي لعبته وسائل الإعلام، والقوى الديمقراطية، والمنظمات الحقوقية، وعموم المتضامنين داخل المغرب وخارجه.
وأكد البلاغ أن الدعم الذي تلقاه المحتجون “أضفى الدفء على قلوب الساكنة ورفع من معنوياتها”. وعلى الرغم من نهاية المسيرة، شدد البلاغ على أن “الانتفاضة ستظل مستمرة إلى حين تحقق كافة المطالب المرتبطة بتحسين شروط العيش الكريم، والبنية التحتية، والخدمات الأساسية”، من خلال متابعة تنفيذ الوعود وضمان تحقيق التنمية المنشودة في المنطقة. هذا التأكيد يعكس وعي الساكنة بأن نهاية المسيرة ليست نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة جديدة من المتابعة والضغط لضمان تحويل الوعود إلى واقع ملموس.
سابقة “الرئيس المحتج” ونهاية مرحلة “نشر الرعب”
هذه النتيجة الإيجابية تأتي بعد أسابيع من التوتر، وخطوة جريئة من رئيس جماعة تبانت، خالد تيكوكين، الذي اختار أن يكون في مقدمة المحتجين، في سلوك نادر وغير مألوف لرئيس جماعة. هذه المشاركة كانت قد أثارت جدلاً واسعاً، خاصة بعد أن كانت السلطات المحلية قد أصدرت قراراً بمنع المسيرة، وبعد أن تداولت بعض التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي ما وصف بـ”نشر الرعب” تجاه أي منتخب يدعم الساكنة، والإشارة إلى أن السلطات “ستنتقم” من رئيس الجماعة.
إن اختتام المسيرة بتجاوب إيجابي من عامل الإقليم، يوجه رسالة قوية بأن لغة الحوار والتعامل المباشر مع مطالب المواطنين هي السبيل الأمثل لتجاوز الاحتقان الاجتماعي، وأن التفاعل الإيجابي من أعلى مستوى إقليمي هو ما يمكن أن يضع حداً للاحتجاجات ويفتح آفاقاً للتنمية. يبقى الآن على السلطات الإقليمية تفعيل هذه التعهدات على أرض الواقع لضمان استعادة الثقة وتحقيق العدالة المجالية التي نادت بها “مسيرة الكرامة”.