في مشهد غير مألوف لكنه محمّل بالرمزية، اختار والي جهة سوس ماسة، سعيد أمزازي، أن يتجاوز الحدود التقليدية للبروتوكول الرسمي، ويجلس وسط الآلاف من جماهير حسنية أكادير في مدرجات ملعب أدرار، خلال مباراة مصيرية تحدد مصير الفريق في البطولة الاحترافية. خطوة وُصفت بـ”الاستثنائية”، لا فقط من حيث التوقيت والسياق، بل لما تحمله من رسائل سياسية واجتماعية واضحة.
لم يكن حضور أمزازي إلى المدرجات صدفة، بل جاء كتعبير صريح عن نهج القرب والمواكبة الميدانية الذي ينهجه منذ تعيينه على رأس الجهة. فقد آثر أن يعيش لحظة الترقب والقلق جنبًا إلى جنب مع الجماهير، في موقف يجسّد مفهوما متقدما للمسؤولية، قوامه الإنصات والتفاعل المباشر مع نبض الشارع المحلي.
رسالة تضامن وتفاعل ميداني
الخطوة نالت ترحيبًا واسعًا من الجماهير وفعاليات المجتمع المدني، الذين رأوا في حضور الوالي “رسالة دعم معنوي وانخراط حقيقي” في لحظة حرجة من مسار الفريق السوسي. فـ”الحسنية”، التي تمثل جزءًا راسخًا من الهوية الثقافية والوجدانية لسكان سوس، ليست مجرد نادٍ رياضي، بل رمز من رموز الانتماء الجماعي، ما يجعل الوقوف إلى جانبه أمرًا يتجاوز الإطار الرياضي نحو فضاءات أوسع من التلاحم المؤسسي مع تطلعات الساكنة.
لقد أثبت الوالي أمزازي مرة أخرى أنه لا يكتفي بإدارة الملفات من خلف المكاتب، بل يفضّل الاقتراب من التفاصيل اليومية، ومشاركة الناس أفراحهم وقلقهم، خصوصًا في محطات مفصلية تتطلب أكثر من قرارات تقنية؛ إنها تتطلب حضورًا إنسانيًا ومعنويًا يطمئن الناس ويؤكد أن الإدارة في صفهم.
الرياضة… مرآة المجتمع
تؤكد هذه المبادرة أن الرياضة ليست هامشًا في أولويات التنمية، بل رافعة أساسية لبناء الثقة والانتماء، كما أن دعمها في اللحظات العصيبة يعكس إدراكًا مؤسساتيًا بأهميتها في تعزيز التلاحم الاجتماعي، خاصة في منطقة مثل سوس التي تتطلع إلى نهضة تنموية شاملة.
في هذا السياق، بدا والي سوس ماسة وكأنه يوجّه رسالة ضمنية: “الرياضة جزء من الشأن العام، ولا يمكن النهوض بالجهة دون الاعتراف بأدوارها المجتمعية”.
أمزازي… من المدرج إلى القلب
الصورة التي تداولتها منصات التواصل الاجتماعي للوالي وهو يتفاعل بعفوية في المدرجات، لم تكن فقط لحظة إعلامية، بل تعبير صادق عن ارتباطه بالمكان وأهله. فمنذ وصوله إلى أكادير، أبان أمزازي عن دينامية ملحوظة، وانفتاح واضح على كافة المكونات، لكن ظهوره في ملعب أدرار جسّد بعدًا عاطفيًا وإنسانيًا عميقًا، يُحسب له كمسؤول اختار أن يحب قبل أن يطلب الولاء، ويؤازر قبل أن يضع السياسات.
الانتماء كبداية للإصلاح
لا يُقاس حب المسؤول لأرضه بالخطابات فقط، بل يظهر في التفاصيل: في اختياره للجلوس بين الناس، في التفاعل مع نبضهم، وفي مساندة ما يعتبرونه رمزًا لهويتهم. إن الإصلاح الحقيقي يبدأ بالانتماء، والتنمية لا تنطلق إلا حين يشعر المواطن أن من يتخذ القرار يشاركه وجدان اللحظة، ويهتم بما يهتم به.
وهنا تحديدًا، قدم سعيد أمزازي نموذجًا لمسؤول يفهم أن التغيير لا يُبنى فقط في مخططات التنمية، بل أيضًا في لحظات الصدق الجماهيري، حيث يذوب الحاجز بين السلطة والمجتمع.
من أدرار تبدأ الحكاية
وسط مدرجات أدرار، بدأ مشهد مختلف لمسؤولية عمومية تتنفس من هموم الناس وتعيش نبضهم. خطوة قد تبدو بسيطة، لكنها في نظر الكثيرين مؤشر على تحوّل في العلاقة بين الدولة والمواطن في سوس ماسة. إنها بداية تُبشر بأن القادم قد يكون أفضل، حين تُدار الجهات بالعقل والقلب معًا.
A.Boutbaoucht