أصدر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش، يوم الثلاثاء 13 ماي الجاري، أمرًا بإيداع الأستاذ الجامعي أحمد قليش السجن المحلي لوداية، وذلك في قضية تثير الرأي العام تتعلق بالاشتباه في الاتجار بالدبلومات الجامعية والتسجيل في الماستر مقابل رشاوى. يأتي هذا القرار بعد أشهر من التحقيقات المكثفة التي باشرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمراكش.
شبكة اتهامات تتسع: مسؤولية فردية لا جماعية
القضية، التي أخذت أبعادًا خطيرة، لم تتوقف عند الأستاذ الجامعي وحده، بل امتدت لتشمل زوجته المحامية، التي تقررت متابعتها بدورها. كما طالت الشبهات رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بآسفي، وابنه المحامي المتمرن، بالإضافة إلى محامين متمرنين آخرين. وقد تقرر متابعة بعضهم في حالة سراح مع إخضاعهم للمراقبة القضائية، وذلك لشبهات تتعلق بحصولهم على دبلومات جامعية مقابل مبالغ مالية، يُشاع أنهم استعملوها لاجتياز امتحان المحاماة.
في ظل متابعة الرأي العام الوطني لهذه القضية بقدر من الصدمة والقلق، تبرز أهمية التعاطي المتزن مع مثل هذه القضايا الحساسة. ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو التحقيقات القضائية، ظهرت محاولات من قبل بعض التدوينات والصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي لاستغلال الحادث للنيل من سمعة جامعة ابن زهر بأكادير، محاولين جر هذه المؤسسة العلمية نحو دائرة الاتهام الجماعي. هذا الأمر يعيد إلى الأذهان خطورة الخلط بين المسؤولية الفردية للبعض والكيان الجماعي للمؤسسة.
جامعة ابن زهر: صرح وطني راسخ
إن جامعة ابن زهر، بصفتها واحدة من كبريات الجامعات المغربية، لا يمكن اختزالها في قضية فردية، مهما بلغت حساسيتها. إنها مؤسسة عمومية عريقة، قدمت على مر العقود الآلاف من الكفاءات الوطنية التي تشغل اليوم مناصب حيوية في مختلف قطاعات الدولة: في القضاء، الإعلام، الهندسة، التعليم، والبحث العلمي.
وفي الوقت الذي نثمن فيه فتح القضاء تحقيقًا شفافًا ونزيهًا في هذه القضية، فإن محاولات التشهير الجماعي بالجامعة أو إلحاق التهم بأسرتها الأكاديمية يضرب في الصميم قيمة العمل الجماعي المؤسس على سنوات من الاجتهاد والتراكم. كما يغذي هذا التوجه منطق “العدالة الجماهيرية” الذي يهدد مصداقية المؤسسات أكثر مما يسهم في محاربة الفساد.
احترام القانون وكلمة القضاء
من البديهي أن لا أحد فوق القانون، والجامعة ليست استثناء. فمن حق الدولة والمجتمع المطالبة بالمحاسبة متى وُجدت تجاوزات. لكن، من واجب الجميع احترام قرينة البراءة، وعدم الانزلاق في التعميم أو تلفيق التهم دون دليل. إن المسؤولية فردية بطبيعتها، والقضاء هو الجهة الوحيدة المخولة بتحديدها.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد محاكمة لأفراد، بل هو اختبار حقيقي لقدرتنا كمجتمع على الدفاع عن المؤسسات دون تبرير للفساد، والمطالبة بالإصلاح دون السقوط في التخوين. فالهجوم الأعمى على الجامعة، أو على مؤسسة العدالة، يفتح الباب أمام فوضى معنوية لا تقل خطورة عن الجريمة نفسها.
لذا، فلتكن كلمتنا موحدة: لندع القضاء يقول كلمته، ولنحصن مناراتنا العلمية من لغة التشهير والتعميم، لأن ضرب الجامعة هو ضرب لمستقبل الوطن.
A/BOUT