“تعديل مدونة الأسرة في المغرب: بين المساواة وحقوق الرجال ضحايا العنف”

تحتل مدونة الأسرة حيزاً هامًا في النقاش العام الدائر بالمغرب مؤخراً، وذلك في سياق مطالبة عديد الهيئات والمنظمات بمراجعة القوانين التي تنظم أحوال الأسرة.

بعد مرور عقدين من تجربة المدونة، يبدو أن الوقت قد حان للنظر في تعديلات جذرية تلبي احتياجات وتطلعات المجتمع المغربي الحديث.

أولى الإشارات إلى هذا النقاش الهام جاءت من جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش يوم 30 يوليوز 2022. عندما دعا جلالته إلى مراجعة القانون المنظم للأسرة، مشيراً إلى وجود اختلالات وسلبيات في التجربة العملية لهذا القانون الذي تم تعديله آخر مرة عام 2004. تعبر هذه الدعوة عن رغبة المملكة في الاستجابة للتحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع المغربي خلال العقدين الماضيين.

عندما تم اعتماد قانون الأسرة عام 2004، اعتبر حينها ثورة في ضوء التغييرات التي أحدثها في المجتمع المغربي. وقد شملت هذه التغييرات توسيع نطاق التفاعل مع المذاهب الدينية الأخرى بخلاف المذهب المالكي السائد، بهدف التكيف مع متغيرات المجتمع.

تميزت مناقشات القانون بمواضيع حساسة مثل تقسيم الإرث بين الجنسين، وزواج القاصرات، وتقسيم الأموال المكتسبة خلال العلاقة الزوجية، والطرد من بيت الزوجية، والولاية الشرعية والحضانة. هذه المواضيع أثارت جدلاً كبيراً وأصبحت محور اهتمام المجتمع والمنظمات الحقوقية.

من بين القضايا التي تثير جدلاً كبيراً هي مسألة المساواة في الإرث بين الجنسين. بعد مطالبة مجموعة من الهيئات والمنظمات بمراجعة منظومة الإرث، تبدو هذه المسألة محور اهتمام النقاش الحالي. ومع ذلك، تواجه تلك المطالب معارضة من التيارات المحافظة التي تعتبرها تجاوزاً للإطار الثقافي والديني التقليدي.

يأتي السياق الحالي مع تأكيد جلالة الملك على ضرورة تحقيق التعديلات في مدونة الأسرة بمراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي. هذا الالتزام بالاعتدال والاجتهاد المنفتح يشكل خطوة إيجابية نحو التغيير والتحسين في مدونة الأسرة.

يجب أن نتذكر أن تغيير مدونة الأسرة له تأثير كبير على المجتمع المغربي. ساهمت المدونة الحالية بعد مصادقتها سنة 2004 في تغيير معتقدات تقليدية وزيادة دور المرأة في المجتمع. تحدث هذا التغيير في سياق جهود مستمرة من مختلف مؤسسات الدولة وهيئات المجتمع المدني لرفع مكانة المرأة وتحقيق المساواة في مختلف المجالات.

بالإضافة إلى ذلك، تشير الإحصائيات إلى وجود عدد كبير من حالات العنف ضد الرجال في المجتمع المغربي، والتي تشمل العديد من الصور المختلفة للعنف. يعترض العديد من الرجال على البوح بتلك الحالات نظرًا للخجل والمخاوف من تقديم الشكاوى.

على ضوء النقاش الحالي حول مدونة الأسرة، يجب أيضا أن نلقي الضوء على قضية العنف ضد الرجال في المغرب. تظهر الإحصائيات التي قدمتها “الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الرجال ضحايا العنف النسوي” أن هناك 18000 حالة من العنف تجاه الرجال في الفترة من 2020 إلى 2022.أي بمعدل 100 حالة شهريا، هذا يشير إلى أن هناك مشكلة جدية تحتاج إلى اهتمام وتدابير قانونية.

تتنوع أشكال العنف ضد الرجال وتتضمن الضرب والإهانة وحتى حرمانهم من حقوقهم الشرعية والزوجية. وفي العديد من الحالات، يجد الرجال أنفسهم غير قادرين على التحدث عن هذه القضية بسبب الخجل وتوقعات المجتمع. هذا يجعل الدعوة إلى تشريعات تحمي حقوق الرجال ضحايا العنف أمرًا ضروريًا، وربما يكون مناسبًا أيضًا إعادة النظر في مدونة الأسرة لتحقيق المزيد من المساواة والعدالة بين الجنسين.

في النهاية، مدونة الأسرة في المغرب تشكل تحديًا مهمًا يتطلب تفكيرًا جادًا ومناقشة عميقة. يجب أن تكون أي تعديلات مستقبلية متناسبة مع تحولات المجتمع وتحقق العدالة والمساواة للجميع، سواء كانوا رجالًا أم نساءًا، وأن تحترم القيم الدينية والثقافية للبلاد. إن تحقيق هذه التوازنات يمكن أن يسهم بشكل كبير في تطوير المجتمع المغربي وتحقيق التقدم والازدهار للجميع.

الأخبار ذات الصلة

1 من 864