هل انتهت أسطورة الجماعة المواطنة ببلفاع ؟

الرأي24/العربي الموصار

تسلمت جماعة بلفاع بتاريخ 20 مارس 2018 درع الجماعة المواطنة، وهي مبادرة تنظمها جمعيتان مغربيتان “مجموعة الديموقراطية والحريات” وجمعية “تاركة للتنمية المستدامة” غير أننا كمواطنين بالجماعة وكهيئات جمعوية لازلنا نتساءل عن ما يميز الجماعة عن غيرها لتحظى بهذا اللقب، والذي تم تسويقه إعلاميا بشكل لافت للانتباه، مما جعله أسطورة في أذهان الناس. واليوم نعيد لنساءل سياسات المجلس باحثين فيها عن تجليات المواطنة والديموقراطية.
أولا لابد للإشارة إلى أن المجلس مسير من طرف نخبة معينة لمدة 25 سنة متثالية، مما سمح لها بمواصلة رؤيتها الخاصة للسياسات العمومية، مما يجعل تقييمنا يستحضر هذا المعطى المهم في التقييم.

  • على مستوى البنيات التحتية الرئيسية

الملاحظ والمتتبع لسياسات المجلس يتبين له، انه لم يحسم بعد في مسألة البنيات التحتية على مستوى المركز. فآخر مشروع كان حول بناء صهريج للماء الصالح للشرب بالمركز، مما يعني أن مشكل تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب لازال قائما إلى يومنا هذا، بحيث تم تفويضه للمجتمع المدني بشكل كامل إلى غاية الولاية السابقة حيث كان التعاقد مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، بدون أن تستقل الجمعيات رغم أن الاتفاقية بين المجلس والمكتب تجاوزت 400 مليون سنتيم (حسب رواية عضو بالمجلس الولاية السابقة) ولازالت بعض الدواوير تعيش العطش (نموذج العزيب).

وبخصوص التزويد بالكهرباء، كانت اغلب الجمعيات تأسست في نهاية التسعينات ناضلت من اجل التزويد بالكهرباء، ودفع حينها المواطنين أموالا طائلة من اجل الربط الكهربائي، ورغم كل الجهود المبذولة تجاه المجتمع المدني في الترافع من اجل هذه المسألة، تفاجأ الرأي العام بإلغاء المجلس لاتفاقية كان عقدها مع المكتب الوطني للكهرباء، كان يقدم فيها مساهمة مالية، وعاد المجلس ليترك المواطن والمكتب الوطني وجها لوجه يفعل به ما يشاء، واكتفى رئيس المجلس بالمراسلات طلبا للتمديدات الكهربائية، وهو الذي خلق مناطق ودواوير جديدة بدون أبسط البنيات التحتية. ولازالت أعداد كبيرة من المواطنين يعيشون في الظلام إلى يومنا هذا.

وعلى مستوى الطرقات دشن المجلس الجماعي في ولايته الأخيرة مجموعة من المقاطع الطرقية، وهي طرق غير مكتملة، وكلما ازداد خلق دواوير الوافدين والعاملين بالبيوت المغطاة ازدادت الحاجة إلى الطرقات، وعلى حد علمنا لازالت دواوير أصلية لم تحظى بحقها (نموذج تدوارت- تين علي أوعدي) بالإضافة إلى أن مجموعة من الطرق تم تخريبها جراء أشغال الواد الحار (أوخريب- اسحنان – الكديات)، رغم أن المجلس نفسه إلا أنه لفقدانه لرؤية استراتيجية يبرمج مشاريعا تعود بالسلب على المشاريع السابقة، مما يشكل ضياعا للمال العام، وهي في نفس الوقت ضريبة تأخيره للواد الحار والربط الكهربائي.

-على المستوى الرياضي والترفيهي

لم يستطع المجلس لحد الآن، ان يخرج الى الوجود ولو ملعبا معشوشبا واحدا، فالي غاية الولاية السابقة اتجه المجلس للمصادقة على مشروع ملعب معشوشب بإميكيز ولحد الآن تتسم أشغاله بتباطؤ كبير، وغموض لفت انتباه الجمعيات الرياضية، لتتساءل عبر مراسلتها للمجلس عن أسرار هذه الصفقة التي لم يعلق المجلس لافتة بيان صاحب الصفقة، وقيمتها، ومدة الانجاز، ولازالت الجمعيات الرياضية محرومة من الملعب، لتستعين بملعب بجماعة انشادن.

ودشن المجلس في بدايات الولاية السابقة فضاء “بنسعيد ايت ايدر” وهو مساحة خضراء، تم إنشاءها مكان الملعب القديم، وهو فضاء وحيد لا يمكن له تلبية حاجيات الكثافة السكانية للجماعة، التي تبلغ 30 ألف نسمة، دون أن يتجه المجلس لإنشاء ملاعب القرب والفضاءات الخضراء في أماكن تركز الساكنة. وفي نفس الوقت لم يشجع المجلس جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالأنشطة التربوية والترفيهية، بل لازال يردد مقولته الشهيرة “الثقافة مكاتجيبش الاصوات” مما سينعكس سلبا على التنشئة الاجتماعية للأفراد، بحرمانهم من حقهم الترفيهي في الطفولة.

  • على مستوى السوق والتهيئة الحضرية

اتجه المجلس الجماعي وبعد عشرين سنة، إلى إعادة النظر في واقع المركز، فباشر مجموعة من الصفقات حول إنشاء السوق المغطاة وإعادة التهيئة للمركز، إلا أن هذه الأشغال اتسمت بتأخر كبير في الانجاز، وتجاوزت مدتها المحددة، بالإضافة إلى اتسامها بالعشوائية والتمييز بين الأحياء، ونرى أشغالا هنا وهناك، وعدم احترام المارة ومستعملي الطريق بعدم وضع علامات التشوير، الأمر الذي خلق مجموعة من الحوادث والمآسي والأضرار المادية والنفسية على المواطنين.
كما تم حرمان فئات واسعة من التجار الممارسين لتجارة الحبوب من البديل، بعد طردهم من منطقتهم الخاصة، ورغم كون المنطقة فلاحية غالبية سكانها يعيشون من موارد تربية الماشية، لم يبتكر المجلس أي مبادرة في هذا الاتجاه.

كما راح ضحية إعادة التهيئة الحضرية بضم بعض الأراضي الفلاحية، مجموعة من السكان وملاك الأراضي الغير المبنية بالزيادة التي شهدتها الضريبة على العقار، وخاصة ملاك الأراضي الفلاحية بالكديات والتي بلغت 10 دراهم للمتر الواحد وهو ضعف ما يؤدى في الجماعات المجاورة.

  • على المستوى الفلاحي

كانت المنطقة في السابق مصدرا من مصادر تزويد سوق الجملة بإنزكان بالخضروات، وتشكل في المنطقة طبقة وسطى من الفلاحين الصغار والمتوسطين، وعندما فتح الباب أمام الشركات الفلاحية الكبرى، والترخيص لها بحفر الآبار وخاصة في فترة الحجر الصحي، بحيث أصبحت بعض الشركات التي كانت تمتلك ثقبا واحدا أصبح لها اثنين و ثلاث، مما أدى إلى استنزاف الفرشة المائية ونضوبها، ومباشرة تم التأثير على الفلاح الصغير والمتوسط، فاضطر العديد من الفلاحين لإيقاف نشاطهم الفلاحي والالتحاق بالبيوت المغطاة للاشتغال كمياومين وعمال.

ورغم هذه التحولات، بالإضافة إلى توالي سنوات الجفاف لم يتخذ المجلس أية مبادرة للحد من الآثار السلبية لهذه التحولات الاجتماعية التي فككت الطبقة الوسطى بالمنطقة، وجعلتها تحت رحمة اللوبي الفلاحي، بل دعم المجلس سياسة نقل المستخدمين إلى هذه الشركات عوض أن يدعمها لتعود لممارسة أنشطتها الفلاحية من تربية المواشي وزراعة الخضروات.

  • على المستوى التعليمي والصحي

على مستوى التعليم، كان استقدام الشركات الفلاحية وتوافد الأجانب عليها للاشتغال كعمال، الأثر السلبي الحاد على المنظومة التعليمة، وخاصة في البنيات التعلمية، والتي شهدت اكتضاضا فاحشا وغير مسبوق، تستوي فيه الثانويات والابتدائيات، واتجه المجلس الجماعي نحو سياسة توفير النقل المدرسي عوض الترافع من اجل بناء مدارس ومنشآت تعليمية جديدة، مما أدى إلى الضغط على ثانويات المركز، وقد تم تحويل قاعات المطالعة بها، وقاعات المطاعم بالمدارس الابتدائية إلى قاعات الدروس، مما يطرح معضلة حرمان التلميذ من فضاءات موازية.

وبالإضافة إلى هذه المسألة تجدر الإشارة إلى أن المنظومة التعليمية زاد من معضلاتها بالنظر إلى جهة الأسرة، كون عدد كبير من الأسر يشتغلن في البيوت المغطات طيلة النهار، مما يجعل الطفل محروما من والديه طيلة اليوم، وحتى في المساء وجراء التعب لا يمكن له أن يحظى بحقوق الأبوة، الأمر الذي ينعكس على نفسية الطفل في داخل البيت والذي غالبا ما يكون أيضا بيتا عشوائيا لا يتجاوز الستين متر، كما ينعكس الاكتضاض الذي يدرس فيه داخل القسم على نفسيته وأداءه كتلميذ.

وبخصوص العرض الصحي، فقلبت المعادلة فيه، فقد كان يتوفر على أطر طبية في السابق، وكلما ازدادت الكثافة السكانية قلت الأطر الطبية، إلى أن أصبح المستوصف الوحيد المتواجد بالجماعة بدون طبيب، وبأطر طبية قليلة، أما في ما يخص الخدمات، فنعطي نموذج توفير الإسعاف، ورغم أن الجماعة تخصص ما يقارب 50 مليون للوقود سنويا، إلا أن المواطن لازال يؤدي تعويض الحصول على خدمة الإسعاف.

  • على مستوى المجتمع المدني ومقاربة النوع

منذ عقود، تحمل المجتمع المدني تعب وضريبة تخلي المجلس الجماعي عن اختصاصاته الذاتية، مما جعل جمعيات المجتمع المدني لم تستطيع إلى يومنا هذا إحداث نقلة في اهتماماتها، ولازالت مرتبطة بالجيل الأول من الحقوق (الاقتصادية والاجتماعية) ولم تستطع بعد الانتقال إلى الجيل الثاني (مدني سياسي) من الحقوق، في وقت يتجه فيه المجتمع المدني العالمي إلى تبني الجيل الرابع من الحقوق، ولذلك كانت وبقيت الجمعيات عرضة للاستغلال السياسي، لان النخب التي تشكلها لم يتم تأهيلها فكريا ومعرفيا، بل تم إشغالها بالماء الصالح للشرب والكهرباء والطرق، وهي اختصاصات المجالس المنتخبة والسلطات العمومية.

بالإضافة إلى ما سبق، وضع المجلس الجماعي يده، وقام بتأميم الجمعيات، وحاول بكل ما أوتي من قوة أن يضع على رأسها أعيان المنطقة عوض شبابها وكفاءاتها، ولم يلتفت المجلس المسير إلى الجمعيات الفتية والشبابية لدعمها، بل ساهم في تهميشها وإقصائها بخلق جمعيات أخرى تستولي على برنامجها والدعم العمومي دون أية فاعلية في الميدان، وبإمكاننا آن نورد مجموعة من الجمعيات الشبابية التي تم إهمالها ومحاربتها (جمعية شباب، جمعية الطلبة والتلاميذ، جمعية أجيال، الجمعية الرياضية ايت سعيد..الخ).

ولم يكتف المجلس الجماعي بتأميم الجمعيات وإشغالها باختصاصاته، بل قام بتأميم هيئات أخرى كهيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، ولا يعلن على تأسيسها لفائدة العموم، بل يستدعي إليها من شاء بمراسلة خاصة، ولا يتم انتخاب هيئتها في الجمع العام التأسيس بل يتم تعينها في الخارج والمصادقة عليها في اجتماع المجلس.

فكما يتم توزيع الدعم العمومي بمنطق الولاء الانتخابي، ودون الإعلان عن طلبات مشاريع الجمعيات، ودون اعتماد ترتيب وتصنيف المشاريع حسب جديتها وأولويتها، ونظرا لإقصاء الجمعيات الشبابية والحد من عملها، لم يستطع العمل الجمعوي الرسمي المعتمد أن يمد المجلس بطاقات شبابية نسوية، بل يعاني المجلس وبشق الأنفس لاحترام الكوطا النسوية، مع عجز في إنتاج وجوه جديدة في الميدان السياسي والجمعوي، وقد سبق للمجلس الجماعي أن برمج تكوينا في العمل الجمعوي والتطوعي بشراكة مع بلدية أوربية، لفائدة مجموعة من الشابات والشباب دون اعتماد مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في التقديم للاستفادة منه، وبهاته الأساليب لا يمكن فتح المجال أمام الفئات المبدعة واستكشاف المواهب، والدليل على ذلك عدم قدرة المجلس على تخريج كفاءات نسوية جديدة. واستغل المجلس مستخدمات دار الطالبة لتصفية حسابات سياسية، وذلك بإيقاف دعم الجمعية مما حرم المستخدمات من أجورهن.

  • توجه جديد للمجلس الجماعي

لا يمكن لعاقل يفهم وضع هذه الجماعة الترابية، ويعاين نتائج قرارات فردية وسياسات عشوائية، تهدد السلم الاجتماعي أن يختار أسلوب الانتقام وتصفية الحسابات السياسية الضيقة وتلبية النزوات النفسية العابرة. والساكنة لم تبقى مكتوفة الأيدي أمام سياسات الربع قرن، بل عاين المجلس الجماعي نتائج سياساته، في احتجاج 11 دوار ضد قرار إنشاء محطة المياه العادمة، دون التفات المجلس لصوت الجمعيات وصوت المحتجين بهذه المناطق، بل باشر المجلس سياسة جديدة تتسم بالانتقام من كل من سولت له نفسه الاحتجاج ضد قراراته وانتقادها، واستعان المجلس بأعوان سلطة سابقين تم طردهم من مهامهم لرفع تقارير حول الساكنة المحتجة والمواطنين الذين لم يصوتوا لصالحه في الانتخابات، والكيل بمكيالين، في رخص البناء وفي الخدمات العمومية والوثائق الإدارية، وتهديد المواطنين بوضع الشكايات ضدهم ومحاكمتهم.

لم يسبق للمجلس الجماعي بالمنطقة، أن فعّل مسطرة إقالة عضو منتخب لتغيبه، كما عاين المواطنين ومجموعة من الدوائر هجرة منتخبيها مع حقيبتهم في المجلس الجماعي إلى بلاد المهجر، مع استمرارهم في تقاضي التعويضات طيلة الولاية، ليتجه المجلس نحو هذه الخطوة هذه المرة لأنه لم يألف جلوس المعارضة قربه، وانزعج بها، وحاول إقالة عضو من المعارضة، رغم تقديم مبررات التغيب، كما اتجه أيضا المجلس إلى تحريف مداخلات المعارضة في محاضر الاجتماعات، كما قام بإلغاء أجزاء من مشاريع مبرمجة سابقا في دوائر المعارضة وممارسة التمييز على مستوى المنطقة، كل ذلك في الوقت الذي رفع فيه دستور 2011 شأن المعارضة، وعزز الخيار الديمواقراطي في الفصل 10 منه، وعالى من حق التعبير وإبداء الرأي.

اختار المجلس في قانونه الداخلي، عدم السماح بالتصوير وتسجيل الجلسات، كما لا يعلن على دوارته في مواقع التواصل الاجتماعي وفي صفحته الرسمية، كما لا يقوم بإعداد قاعة الاجتماعات للحضور، كما لا يستدعي هيئات المجتمع المدني، كما لا يطلب رأيها في إعداد البرنامج الجماعي، كما لا يلتفت إلى مقترحاتها. واختار لمرة واحدة ويتيمة أن يعقد لقاءات تشاورية بالدواوير سنة 2016 وكان ذلك استعدادا لترشح رئيس المجلس إلى البرلمان لأول مرة.

انطلاقا من كل ذلك، لم يعد بإمكاننا الحديث عن شيء ما يسمى الجماعة المواطنة، الناهجة للديموقراطية التشاركية والتقدمية، بل ما يتواجد على أرض الواقع يبرهن على العكس، وينقض الادعاءات والبروباغندا الإعلامية، بل الواقع مليء بسياسات عشوائية ينقض بعضها بعضا، وسياسات أحادية اقصائية، عرت المواطن ولم توفر له أية حماية، جوهرها الحقيقي الوعد والوعيد والجنة والنار، إننا إزاء فكر فقهي تقليدي في الممارسة، وتقدمي في الشعارات، جدلي في الذهن وأحادي في العمل.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬040