زلزال التعمير يهز رجال السلطة: الداخلية تحاسب المتهاونين وتستعين بـالدرون للقضاء على البناء العشوائي

بدأت وزارة الداخلية  في تفعيل مرحلة جديدة وصارمة لمواجهة ظاهرة البناء العشوائي المتفشية، خاصة في ضواحي المدن الكبرى والمناطق القروية. وتؤكد المعطيات المتوفرة أن هذه الحملة تتجاوز مرحلة التنبيه لتصل إلى المحاسبة الإدارية الفورية، مستهدفة بالأساس رجال السلطة وأعوانها الذين أظهروا “تراخياً” أو “تغاضياً” عن مخالفات التعمير.

هذا و شهدت أسابيع قليلة ماضية إجراءات تأديبية غير مسبوقة في عدد من الأقاليم، أبرزها عمالة المحمدية وإقليم سيدي بنور. وشملت الإجراءات السحب الفوري لأختام المحاضر الإدارية من رجال السلطة المتورطين (من شيوخ ومقدمين)، ومنعهم من استخدام سيارات ودراجات الدولة، وهو ما يُعد عقوبة إدارية أولية قاسية تمهيداً لقرارات تأديبية أشد.

وتمثلت المخالفة الأساسية في عدم الإبلاغ عن مخالفات البناء وتدوينها في محاضر التعمير، مما سمح بتضخم الظاهرة. وعلى إثر ذلك، تم نقل صلاحيات التوقيع على محاضر المخالفات إلى رؤساء الدوائر مباشرة، بعد تأشير رؤساء أقسام الشؤون الداخلية والعمال، في خطوة لتشديد الرقابة وتقليل حلقات التواطؤ المحتملة.

ما يميز هذه الحملة عن سابقاتها هو اعتماد السلطات الإقليمية بشكل مكثف على التقنيات الحديثة في الرصد والمراقبة. بدأت الوكالات الحضرية في إعداد خرائط دقيقة باستخدام الطائرات المسيرة (الدرون) لرصد التطور العمراني المخالف للقانون.

وتأتي هذه التحركات بعد توصل وزارة الداخلية بـ صور فضائية كشفت توسعاً غير مقبول للبناء العشوائي وتجاوزات خطيرة في تدبير الأراضي الجماعية وأملاك الدولة. هذه الصور الفضائية أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك النقاط السوداء للتجاوز، وساعدت في تحديد المسؤوليات الإدارية بشكل دقيق. كما تزايدت المخاوف من تورط بعض المنتخبين المحليين في تسهيل هذه التجاوزات، مما يستدعي فتح تحقيقات معمقة تشمل كل المستويات.

في سياق متصل، نبهت دورية مشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة إلى أن التحدي الأكبر يكمن في العالم القروي. فصعوبات الحصول على تراخيص البناء في هذه المناطق، المرتبطة بمحددات تقنية ومساحية صارمة، تدفع المواطنين إلى اللجوء إلى البناء غير المرخص.

ولمعالجة هذا الإشكال هيكلياً، دعت الدورية إلى:

إحداث لجان إقليمية تحت إشراف الولاة والعمال.

تحديد دقيق للمناطق العمرانية المتنامية في القرى.

وضع رؤية مستقبلية لتنظيمها وتأهيلها.

الهدف من هذه الخطوة هو تمهيد الطريق أمام تعديلات تشريعية على المقتضيات القانونية المنظمة للبناء في الوسط القروي، بما يضمن التوازن بين تنظيم المجال الترابي وتسهيل عيش الساكنة.

في المحصلة، يبدو أن التعليمات الجديدة من وزارة الداخلية تسير في اتجاه ربط المسؤولية بالمحاسبة بصرامة لا تهاون فيها، وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة لكشف كل المتلاعبين بالقانون، سواء كانوا من رجال السلطة أو المنتخبين. الزلزال الإداري بدأ، والأيام القادمة قد تكشف عن توسع دائرة العقوبات لتشمل أقاليم أخرى بناءً على نتائج الخرائط الميدانية التي يتم إعدادها حالياً.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬329

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *