شرعت مصالح الإدارة الترابية بمختلف عمالات وأقاليم المملكة في تنفيذ تعليمات صارمة تقضي بإجراء إحصاء سنوي محين لسجلات الرسم المفروض على الأراضي الحضرية غير المبنية، وذلك في خطوة تهدف إلى ضبط هذا الوعاء الجبائي بعد تسجيل اختلالات خطيرة شابت مساطر الإعفاء، واستفادة فئات غير مستحقة من إعفاءات مشبوهة.
وكشفت مصادر مطلعة أن هذه الإجراءات جاءت عقب تقارير تفتيش أنجزتها لجان مركزية موفدة من المفتشية العامة للإدارة الترابية، والتي وقفت على انتشار ظاهرة “الشهادات الإدارية الوهمية” داخل المدارات الحضرية، خاصة بجهتي الدار البيضاء-سطات ومراكش آسفي، حيث لجأ عدد من المنعشين العقاريين إلى التستر خلف “أنشطة فلاحية” مفترضة للتهرب من أداء الرسوم المستحقة.
وحسب المعطيات المتوفرة، فقد تم رصد استفادة أصحاب أراض حضرية من استثناءات أخرجتهم بشكل غير قانوني من لوائح الملزمين بأداء الرسم، في مقابل تحميل الملاك الأصليين، الذين لا يزالون يمارسون أنشطة فلاحية حقيقية، عبء الأداء الضريبي الكامل، رغم إحاطة أراضيهم بمشاريع سكنية وتجارية ضخمة.
وتشير نفس المصادر إلى أن تعليمات الإدارة المركزية استندت أيضًا إلى شكايات تقدم بها أعضاء بمجالس جماعية، دعوا فيها سلطات الوصاية إلى التدخل من أجل فرض احترام القانون، ووقف نزيف الإعفاءات الضريبية المشبوهة التي أضرت بمداخيل الجماعات الترابية. كما شملت التعليمات دعوة صريحة إلى تدقيق أكبر في عمل لجان المعاينة، وتفادي إصدار شهادات إدارية دون إجراء معاينات ميدانية أو تحرير محاضر رسمية.
ولم تقتصر هذه التحركات على مستوى وزارة الداخلية، بل ترافقت مع تقارير صادرة عن مجالس جهوية للحسابات، سجلت ملاحظات صارمة حول تدبير الشأن الجبائي المحلي، خاصة ما يتعلق بتدبير الأراضي العارية وعوائد الرسم المفروض عليها، والتي تشكل موردًا ماليًا هامًا للجماعات الترابية.
وعرفت الشهور الماضية شبه توقف في إصدار شهادات الاستغلال الفلاحي، التي تُعد شرطًا للحصول على إعفاء مؤقت من الرسم المذكور، في وقت أُصدرت فيه توجيهات لرؤساء الجماعات بوقف عمليات التحصيل مؤقتًا، ريثما يتم تنزيل المقتضيات الجديدة المرتقبة ضمن القانون رقم 14.25 المعدل للقانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، والذي يُتوقع أن يرفع من قيمة الرسم بهدف تعزيز الموارد الذاتية للجماعات.
وتُطرح هذه القضية في سياق وطني أوسع تسعى فيه الدولة إلى عقلنة تدبير الجبايات المحلية، وتقليص النزاعات القضائية المرتبطة بفرض الرسوم، بعد أن أثبتت تقارير الخزينة العامة للمملكة وجود عدد كبير من الملفات المعروضة على المحاكم، ترتبط مباشرة بتأويلات متباينة لمسطرة فرض الرسم وتبرير الإعفاء.
كما حمّلت التقارير التفتيشية المسؤولية المباشرة لرؤساء جماعات وموظفين جماعيين، ثبت تورطهم في منح شهادات إدارية مزورة أو مشكوك في صحتها، ما أدى إلى عزل وتوقيف عدد منهم بقرارات صادرة عن القضاء الإداري والسلطات الإقليمية، وفتح باب النقاش حول إمكانية نقل اختصاص تحصيل الجبايات المحلية من الجماعات إلى المديرية العامة للضرائب بشكل كامل، ضمانًا للشفافية وتوحيد المساطر.
وفي انتظار تنزيل النصوص التنظيمية المرتبطة بالإصلاح الجبائي المحلي، تظل الأنظار موجهة نحو وزارة الداخلية ومديرية الضرائب لتصحيح هذه الاختلالات، واسترجاع ثقة المواطن في عدالة المنظومة الجبائية، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الدقيقة التي تتطلب تعبئة شاملة للموارد دون المساس بمبادئ الإنصاف والشفافية.