اهتزت قبة مجلس النواب، أمس الإثنين، على وقع أسئلة برلمانية حارقة وجهها نواب من مختلف الفرق السياسية لوزير التجهيز والماء، نزار بركة، بشأن أزمة العطش الخانقة التي تعاني منها العديد من مناطق العالم القروي، خاصة مع حلول فصل الصيف وتوالي سنوات الجفاف. لم تقتصر مداخلات النواب على التنبيه لغياب مياه الشرب، بل امتدت لتشمل التحذير من الاستنزاف المفرط للفرشات المائية جراء انتشار زراعات دخيلة على الواحات، أبرزها البطيخ الأحمر.
معاناة مضاعفة في العالم القروي
شدد النواب على أن غياب الماء الصالح للشرب في القرى يفاقم من معاناة السكان، ولا سيما في ظل التوجيهات الملكية السامية بإعادة تكوين القطيع الوطني من الأغنام والماعز. فكيف يمكن لساكنة البادية تربية الماشية في ظل هذا الشح؟
للتصدي لهذه الأزمة، طالب النواب بتوفير مياه الشرب للمناطق النائية عبر إجراء أثقاب مائية من قبل المكتب الوطني للماء الصالح للشرب ووكالات الأحواض المائية، في خطوة من شأنها تخفيف الضغط على الموارد المائية السطحية وتوفير حلول مستدامة.
الزراعات المستنزفة: خطر يهدد الواحات
في سياق متصل، وجه النائب البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية، عدي شجري، دعوة صريحة للوزير بضرورة منع الزراعات المستنزفة للمياه في المجال الواحي. وأكد شجري أن المحافظة على الواحات رهينة بحماية أشجار النخيل، التي وصفها بأنها “تتعامل مع الموارد المائية بنوع من الترشيد والعقلنة، ضماناً لاستدامة المياه الباطنية”. وعلى النقيض، حذر من خطورة المزروعات الدخيلة مثل البطيخ الأحمر، التي وصفها بـ “المستنزفة للمياه والتي تمارس من طرف فئة من المستثمرين على حساب الفلاحين البسطاء”، منبهًا إلى أن هذه الظاهرة تهدد ديمومة الاستقرار بالمجال الواحي.
من جانبه، أوضح النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة أن قرار منع زراعة معينة يجب أن يستند إلى سند قانوني. وأشار إلى أن قانون الماء يمنح إمكانية تشكيل لجان إقليمية وتقليص المساحات الزراعية بقرارات عاملية. ودعا الوزير إلى تنظيم هذا المجال، مؤكداً أن المنع قد يكون مقبولاً في منطقة دون أخرى، وقد يتطلب الأمر مراعاة قضايا اليد العاملة. وشدد على أن القانون يتيح تدبير هذا الأمر على المستويين المحلي والجهوي، لاتخاذ القرار المناسب في المكان والوقت المناسبين وفقًا للإكراهات الموجودة.
استجابة الوزير: مجهودات متعددة الأبعاد
بدوره، أبرز الوزير نزار بركة مجهودات الحكومة والسلطات المحلية لـعقلنة تدبير المياه في مناطق الواحات. وكشف عن المنع الكلي لزراعة البطيخ الأحمر في إقليم طاطا، وتقليص المساحات المزروعة في زاكورة بنسبة 75% بموجب قرار عاملي، وهي إجراءات تعكس جدية التعامل مع استنزاف الفرشات المائية.
وفيما يتعلق بتوفير مياه الشرب للعالم القروي، أشار بركة إلى وجود استراتيجية متعددة الأبعاد تعتمد على بناء مجموعة من السدود، بالإضافة إلى التوسع في مشاريع تحلية المياه. وفي هذا الصدد، أوضح الوزير أن القدرة على تحلية المياه ستنتقل من 40 مليون متر مكعب سنوياً في عام 2021 إلى مليار و700 مليون متر مكعب سنوياً في أفق عام 2030، مما يعكس طموح الحكومة في مواجهة تحدي ندرة المياه على المدى الطويل.
تبقى أزمة الماء تحديًا وطنيًا يتطلب تضافر جهود الجميع، فهل تنجح هذه الإجراءات في تحقيق الأمن المائي للمواطنين، خاصة في المناطق الأكثر تضرراً؟