في خطوة استباقية لمواجهة الأرقام المقلقة للعنف المدرسي، أطلق وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية ببيوكرى، الأستاذ رشيد التيس، “تعبئة جماعية محلية” تهدف إلى حماية الوسط المدرسي من هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل النشء. جاء ذلك خلال اجتماع للجنة المحلية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بالمحكمة، تحول من مجرد لقاء روتيني إلى ورشة عمل حقيقية، عكست إصرارًا قضائيًا على تحويل القلق من الأرقام الصامتة إلى عمل جماعي ملموس.
من التشخيص إلى الفعل: خارطة طريق لمكافحة العنف المدرسي
لم يكن الاجتماع مجرد استعراض للجهود المبذولة في إطار القانون 103.13، بل كان وقفة حاسمة فرضتها ضرورة الانتقال من مرحلة التشخيص إلى وضع خارطة طريق عملية. وقد شهد اللقاء حضورًا وازنًا لمختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم، ممثلين عن الدرك الملكي والشرطة والمؤسسة السجنية، المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، مندوبية التعاون الوطني، وعدد من فعاليات المجتمع المدني النشطة في المجال، مما يؤكد حجم التعبئة لمواجهة الظاهرة.
افتتح وكيل الملك النقاش بتأكيد مسؤولية الجميع في مواجهة العنف المدرسي، مشددًا على أنها مسؤولية جماعية وتشاركية. وكشف عن معطيات صادمة من تقرير وطني أعده المجلس الأعلى للتربية والتكوين بشراكة مع اليونيسف، سلط الضوء على الانتشار الواسع للتحرش الجنسي، العنف الجسدي، والعنف الرقمي (السيبراني) داخل المؤسسات التعليمية.
رؤية متكاملة: القانون والوقاية والدعم الاجتماعي
تولى الأستاذ ياسين حدوش، ممثل الخلية المحلية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، تفصيل المقتضيات القانونية والعقوبات المترتبة على العنف المدرسي. ولم يكتفِ بالجانب الزجري، بل ربطه بالآثار الاجتماعية المدمرة للظاهرة على الأسرة والمجتمع، مقدمًا بذلك رؤية متكاملة تجمع بين صرامة القانون وعمق التأثير الإنساني.
أكد المشاركون على أهمية الشراكة الأمنية لتأمين محيط المدارس، وبرزت أفكار عملية مثل تفعيل وتعميم خلايا اليقظة، واقتراح إنشاء بوابة إلكترونية متخصصة لرصد وتتبع حالات العنف، لضمان التبليغ الفوري والمواكبة الفعالة للضحايا.
في قلب هذا النقاش المتكامل، قدم وكيل الملك مقترحًا محوريًا يدعو إلى “إدراج مادة للثقافة القانونية ضمن المناهج الدراسية”. وترتكز هذه الفكرة على قناعة بأن تزويد التلميذ بالمعرفة القانونية في سن مبكرة يمثل درعًا قويًا للوقاية من الوقوع ضحية أو مرتكبًا للعنف.
المجتمع المدني: شريك فاعل في الحلول الميدانية
لاقى هذا الزخم المؤسساتي تجاوبًا فوريًا من فعاليات المجتمع المدني، التي نقلت نبض الميدان وهمومه العملية. ودعت المداخلات إلى تكثيف الدورات التكوينية، والأهم من ذلك، المطالبة بتوفير “مساعد اجتماعي” داخل كل مؤسسة تعليمية، ليكون صمام الأمان الذي يقدم الدعم النفسي ويساهم في حل مشاكل التواصل قبل تفاقمها.
تجاوز دور المجتمع المدني مجرد طرح التوصيات، حيث قدمت جمعية “أهلي” تجربة “مركز الفرصة الثانية” بجماعة أيت عميرة، كنموذج ناجح لانتشال الشباب من الهدر المدرسي وإعادة إدماجهم في المجتمع من خلال برامج بيداغوجية ومهنية.
خطوات ملموسة نحو المستقبل
لم يقتصر الاجتماع على التشخيص والنقاش، بل أسفر عن خطوات ملموسة على الأرض. تم الإعلان عن تقدم مشروع “مركز الإيواء الاستعجالي للأطفال” ببيوكرى، وهو ثمرة شراكة بين جمعية “أهلي” والجماعة الترابية لبيوكرى. دفع هذا الإنجاز وكيل الملك إلى الدعوة لإحداث مركز مماثل للنساء ضحايا العنف. واختتم اللقاء بتأكيد النيابة العامة على تكثيف الحملات الأمنية في محيط المدارس، وهو ما تقوم به منذ بداية عملها بالمنطقة.
يعكس هذا التفاعل بين الإرادة المؤسساتية ونبض الميدان الذي حمله المجتمع المدني بقوة، شراكة حقيقية تحول النقاش من مجرد رد فعل على أزمة العنف المدرسي إلى استثمار استباقي في حلول عملية ومستدامة.
A.Boutbaoucht