رغم الزخم الرسمي حول “النموذج التنموي الجديد” ووعود الإدماج والتقنين، يواصل الاقتصاد غير المهيكل فرض حضوره القوي في المشهد الاقتصادي المغربي، كواقع موازٍ يتغذى من هشاشة المنظومة ويغذيها في الآن ذاته.
فبحسب آخر الأرقام الرسمية، يوفر هذا القطاع ما لا يقل عن 2,53 مليون فرصة عمل، أي ما يمثل 33,1% من مجموع مناصب الشغل خارج القطاع الفلاحي، ما يجعله ثاني أكبر مشغل بالمملكة، بعد القطاع الفلاحي ذاته. ورغم غياب العقود، والتغطية الصحية، والحماية الاجتماعية، فإن هذا الاقتصاد يُنتج لوحده ما يناهز 139 مليار درهم من القيمة المضافة، ويفوق رقم معاملاته السنوي 526 مليار درهم، أي ما يعادل اقتصاد دول بأكملها.
المفارقة أن هذا “الاقتصاد الموازي” لا يعيش على هامش النظام فقط، بل صار مكملا له، بل في أحيان كثيرة بديلاً عنه، فـ 79,5% من إنتاجه يُستهلك محليًا من طرف الأسر، فيما أصبحت المؤسسات النظامية نفسها تتعامل معه بشكل متزايد، بعد أن ارتفعت مشترياته من القطاع المهيكل إلى 33,7% سنة 2023، مقابل 18,2% فقط قبل تسع سنوات.
أما جغرافيا، فتتصدر جهة الدار البيضاء-سطات خارطة الاقتصاد غير المهيكل بنسبة 23,2%، في حين يتركز أغلب النشاط في قطاعات التجارة (44,1%)، والخدمات (28,7%)، والبناء والصناعة بنسب متفاوتة.
القطاع غير المهيكل ليس مجرد خلل اقتصادي، بل هو استجابة مجتمعية لفشل السياسات العمومية في توفير البدائل، وشاهد صامت على قدرة المواطنين على خلق “نموهم الخاص” بعيداً عن دعم الدولة أو اعترافها، إنه اقتصاد لا يظهر في التقارير السنوية، لكنه حاضر في الأسواق والشوارع وورشات العمل، وفي كل حي شعبي يبحث عن لقمة عيش خارج الدفاتر الرمادية.
إن الرهان الحقيقي ليس في محاربته، بل في فهم منطقه، والاعتراف به كفاعل اقتصادي مركزي يجب احتواؤه وتوجيهه، لا تجاهله أو التظاهر بعدم رؤيته. فربما تكمن في هذا “الظل” بذور إنعاش اقتصادي حقيقي.. إذا ما أُحسن استثماره.