جدل حول تمويل الجمعيات: تنمية محلية أم استغلال سياسي؟

أثارت مصادقة عدد من الجماعات المحلية خلال دورة فبراير على دعم مئات الجمعيات موجة استياء واسعة، خصوصًا في ظل تزايد عدد هذه الجمعيات والغموض الذي يحيط بأنشطتها وعلاقاتها بمنتخبين وأعيان ونافذين. هذه الخطوة دفعت عمال الأقاليم إلى تنبيه رؤساء الجماعات، استنادًا إلى تقارير دقيقة صادرة عن أقسام الشؤون الداخلية، محذّرين من التورط في ما بات يُعرف بـ”وزيعة دعم الجمعيات”.

الجمعيات بين العمل المدني والاستغلال السياسي

في الأصل، يُفترض أن يكون دعم الجمعيات وسيلة لتعزيز العمل المدني والمساهمة في تنمية المجتمع، غير أن الواقع يكشف عن ممارسات غير شفافة، حيث يتم تخصيص مبالغ مالية ضخمة لجمعيات غير نشطة أو ذات ارتباطات مشبوهة بمنتخبين ومسؤولين نافذين. هذه الظاهرة تطرح تساؤلات حول مدى نجاعة الرقابة على صرف المال العام، خصوصًا عندما تتحول بعض الجمعيات إلى أدوات انتخابية تُستغل لكسب الولاءات وتوجيه الأصوات خلال الاستحقاقات الانتخابية.

معطيات خطيرة وتقارير داخلية

بحسب مصادر مطلعة، فقد رفعت السلطات المحلية معطيات دقيقة إلى وزارة الداخلية، تكشف عن وجود جمعيات لم تُطلق أي نشاط منذ تأسيسها، ورغم ذلك تستفيد من دعم الجماعات. هذه الجمعيات، التي يُطلق عليها “الجمعيات النائمة”، تستنزف ميزانيات الجماعات دون أي مردودية تُذكر، مما يثير الشكوك حول خلفيات دعمها والجهات المستفيدة منها.

كما أن بعض التقارير تشير إلى أن الدعم يُوزع بطريقة غير عادلة، حيث تحظى جمعيات معينة بتمويل مستمر في حين تُحرم أخرى رغم قيامها بأنشطة فعلية تخدم الساكنة.

ضرورة المراقبة والتقييم

أمام هذه الوضعية، يُطرح سؤال جوهري حول آليات مراقبة الدعم العمومي الموجه للجمعيات. فغياب الشفافية في تدبير هذه الميزانيات يؤدي إلى تبديد الأموال العامة دون تحقيق الأهداف المرجوة. لذلك، بات من الضروري:

1. إخضاع الجمعيات لمراقبة صارمة: من خلال فرض نشر تقارير مالية وتقارير أنشطتها السنوية.

2. ربط الدعم بالمردودية الفعلية: بحيث لا تُمنح الأموال إلا للجمعيات التي تقدم برامج ومشاريع ملموسة.

3. محاسبة المتورطين في التلاعبات: عبر تفعيل دور أجهزة الرقابة والتدقيق في أوجه صرف المال العام.

4. إعادة النظر في معايير توزيع الدعم: لتفادي الاستغلال السياسي وضمان عدالة توزيع التمويل.

إن دعم الجمعيات يُعدّ آلية مهمة لتعزيز العمل المجتمعي، لكنه يصبح أداة للفساد إذا لم يُحكم تدبيره وفق معايير الشفافية والمساءلة. ولتفادي هدر المال العام، يتوجب على السلطات اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجمعيات الوهمية وضمان توجيه الدعم إلى المبادرات التي تخدم التنمية المحلية بشكل حقيقي.

الأخبار ذات الصلة

1 من 1٬248

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *