مشروع ملكي مهيكل، ثمرة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، يتمثل في محطة تحلية مياه المحيط الأطلسي بمنطقة الدويرة بجماعة إنشادن التابعة لإقليم اشتوكة آيت باها. مشروع ضخم على مشارف الانتهاء لتقديم خدماته إلى فلاحي وساكنة اشتوكة وجهة سوس ماسة عموما. خدمات تشمل سقي 15 ألف هكتار من الخضر والبواكر، وتزويد أكادير الكبير بالماء الصالح للشرب، مما سينهي إشكالات كبرى مرتبطة أساسا بتضرر الفرشة المائية ونضوب الآبار وتأثير توالي سنوات الجفاف على حقينة السدود بالجهة، مما أسقط هذه الجهة في دوامة من المشاكل والمعاناة المريرة مع مياه السقي والشرب، لن تحل إلا بهذه المنشأة الضخمة.
مبررات توطين هذا المشروع الضخم بجهة سوس ماسة، وبإقليم اشتوكة آيت باها على وجه الخصوص، أملتها ضرورة استمرار هذا الإقليم في تأدية دوره في مجال الأمن الغذائي، إذ يعد المصدر الأول للخضر والبواكر نحو مختلف جهات المغرب. وأمام ارتباط الزراعة بالماء، فقد كانت الرؤية السديدة للعاهل المغربي حكيمة في الإسراع بتنزيل مشروع تحلية مياه البحر على أرض الواقع، وهو اليوم في مراحله النهائية، ويفتح آفاقا واعدة للحفاظ على عشرات الآلاف من مناصب الشغل في القطاع الفلاحي، واستمرار عجلة قطاع الزراعة بما يضمن استدامة إنتاج الخضر والبواكر بكميات مضاعفة.
ويلاحظ اليوم تهافت عشرات المستثمرين في القطاع الفلاحي على ما تبقى من الأراضي الصالحة للزراعة والمحتمل ربطها بمياه الري انطلاقا من المحطة، فبعدما كانت أراض بورية عارية، ستتحول، بفضل هذا المشروع، إلى أراض تنبت مختلف أنواع الخضر وتوفر آلاف مناصب الشغل، وهو ما يفرض تفكيرا من طرف السلطات المختصة لربط تلك الاستثمارات الضخمة بالجانب الاجتماعي، حتى لا تتكرر نفس المقاربات السابقة، التي فرضت وضعا اجتماعيا هشا، أبرز ملامحه ضغط كبير على القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة، وهشاشة في الأحياء والدواوير، وتهالك أو غياب للبنيات التحتية وتشويه للمجال العمراني. إذ أن توطين هذه الاستثمارات يلازمه استقطاب لليد العاملة، التي تحتاج إلى مقاربة اجتماعية تحفظ كرامتها وتوفر لها الحدود الأدنى للعيش الكريم.
في تصريح له، قال الحسين أزوكاغ، نائب برلماني عن دائرة اشتوكة آيت باها، إن محطة تحلية مياه البحر باشتوكة هو مشروع “يستجيب لاستدامة مصادر المياه بعدما اتضح أن الفرشة المائية بسهل اشتوكة في نضوب مستمر جراء الاستعمال المفرط لأسباب زراعية واجتماعية، كما أن السدود لم تعد تفي بالغرض بفعل توالي سنوات الجفاف ولم تعد تلبي حاجيات الجهة، خاصة إقليم اشتوكة آيت باها، في توفير الموارد المائية للاستعمالات المنزلية والفلاحية والخدماتية. ولذلك تفضل صاحب الجلالة بإقامة هذا المشروع المهيكل، الذي سينهي كل ما يمكن أن يعرقل المسار التنموي والاقتصادي، هذه المنشأة التي تعد الأضخم من نوعها بشمال إفريقيا والأجود من حيث التكنولوجيا المستعملة بها”.
وعن بعض المشاكل والعقبات التي رافقت إحداث المحطة، خاصة تمرير قنوات مياه الري والشرب، فقال بشأنها النائب البرلماني: “إن الشركة المكلفة بذلك لم تحترم الارتفاقات الخاصة بالطرق، مما خلف ضحايا بسبب الاصطدامات المتكررة مع تلك المنشآت التي استنبتت وسط المحاور والمسالك الطرقية، التي يستعملها الفلاحون والمواطنون عموما بسهل اشتوكة، وخصوصا بجماعات بلفاع وإنشادن وآيت اعميرة وبيوكرى وسيدي بيبي. كما أن هذه المنشآت توجد بجنبات الطرق المعبدة الفلاحية، أي أنها ملتصقة بالرصيف، مما خلق استياء كبيرا باشتوكة آيت باها. وضعية سبق أن لفتت إليها مصالح الإدارة الترابية بعمالة الإقليم الشركة المكلفة، لكن بدون أي تجاوب”.
وإذا كانت محطة تحلية مياه البحر باشتوكة ستضمن سقي 1500 هكتار من الخضر والبواكر، مع تزويد أكادير الكبير بالماء الصالح للشرب، الذي ظلت انقطاعاته المتواصلة تؤرق، إلى عهد قريب، ساكنة مدن أكادير الكبير، فإن الجماعة المحتضنة للمشروع، جماعة إنشادن، والجماعات المجاورة، بلفاع وماسة وسيدي وساي وآيت ميلك، غير مبرمجة، على الأقل في الوقت الراهن من أجل استفادة ساكنتها من الربط بالماء الشروب. وفي هذا الصدد، يقول أزوكاغ: “من المفارقات الغريبة أنها زودت أكادير الكبير وبعض الجماعات باشتوكة بالماء الشروب، إلا أن الجماعة المحتضنة للمشروع، إنشادن، والجماعات المجاورة، لم تؤخذ بعين الاعتبار من طرف المصالح المعنية. كما تم إغفال إدراج بعض المناطق بهذه الجماعات في مجال سقي الأراضي، خاصة ببلفاع 1-805 وآيت ميلك وماسة وسيدي وساي، رغم توفرها على أراض شاسعة صالحة للزراعة. لذلك، وإنصافا للساكنة، توجهنا بأسئلة إلى وزارة الفلاحة ووزارة التجهيز والماء من أجل تدارك الأمر وتعميم خدمة الماء على الجميع، باعتبارها حقا من حقوق الإنسان بموجب المعاهدات الدولية والدستور المغربي”.
مشروع إذن سينقذ العجلة الاقتصادية بجهة سوس ماسة عموما، وسيضمن الحفاظ على مناصب الشغل وزيادتها، وسيوفر الحاجيات المتزايدة من الماء الشروب بأكادير الكبير. لكن لا بد من الالتفاتة إلى الفلاح الصغير، الذي يكد من أجل إنتاج أنواع من الخضر التي يستهلكها المغاربة بكثرة، عبر إدماجه في هذه السيرورة وتشجيعه للاستفادة من مياه المحطة، إلى جانب تبني رؤية استباقية حول الجانب الاجتماعي، بحكم الطلب على الأراضي وما يوازيه من ضرورة استقرار اليد العاملة، وما يتطلبه ذلك من حاجيات في مجالات متعددة كالتعمير والصحة والتعليم، حتى لا تتكرر نفس المشاهد والمآسي في أحياء مكدسة ومشوهة عمرانيا ومفتقرة إلى أبسط ضروريات وحاجيات العيش الكريم.
رشيد بيجيكن