بين تصحيح اختلالات الماضي وفتح آفاق جديدة للتنمية الترابية
يعيش إقليم إنزكان آيت ملول مرحلة دقيقة من تاريخه الإداري بعد تعيين السيد محمد الزهر عاملاً جديداً على الإقليم، بظهير ملكي سامٍ يجسد الثقة المولوية في كفاءاته وخبرته الميدانية في التدبير الترابي.
تعيينٌ جاء في سياق وطني يؤكد على ضرورة تجديد النخب الإدارية وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، تماشياً مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش الأخير وخطاب افتتاح الدورة البرلمانية.
بداية جديدة بروح الإصلاح والمسؤولية
منذ لحظة تنصيبه، بدا واضحاً أن الرجل يحمل رؤية إصلاحية تقوم على الميدان، القرب، والإنصات للمواطنين، وهو ما انتظره سكان إنزكان آيت ملول منذ فترة.
فالإقليم، رغم موقعه الحيوي، ظلّ يعاني اختلالات بنيوية في التعمير، والخدمات، والاستثمار، مما جعله في حاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات وتثبيت دعائم الحكامة الترابية الفعالة.
في كلمته خلال حفل التنصيب، شدّد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، السيد عبد اللطيف ميراوي، على أن المرحلة القادمة تتطلب تعبئة جماعية لتسريع “المغرب الصاعد” وتحقيق عدالة اجتماعية ومجالية حقيقية.
وأكد الوزير أن عامل الإقليم الجديد مطالب بإعداد برنامج تنمية إقليمي متكامل بتشاور واسع مع جميع المتدخلين، يعكس حاجيات المواطنين ويترجم روح الخطاب الملكي إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع.
إنزكان تغرق في فوضى “الباركينغات”
من بين أبرز الملفات الساخنة التي تنتظر العامل الجديد، ملف الباركينغات المؤدى عنها الذي أثار استياءً واسعاً بين الساكنة.
فقد تحولت شوارع المدينة إلى شبكة مكتظة من مواقف السيارات المؤدى عنها، تفرض على المواطنين أداء مبالغ يومية دون سند واضح أو عدالة في التسعيرة.
عدد من المهنيين والمواطنين يعتبرون أن “الباركينغ” أصبح رمزاً للاختلال في التدبير المحلي، وواجهة للفوضى التي تشوّه الفضاء الحضري.
كما يواجه العامل الجديد ملفات عقارية “حارقة” أدت لإعفاء سلفه، وتُشير إلى سقوط مسؤولين ومنتخبين آخرين. تتمحور الفضيحة حول تفويت عقار عمومي مساحته 4671 مترًا مربعًا كان مخصصًا لإنشاء مؤسسة للتكوين المهني بإنزكان.
تم التفويت الأولي في عام 2017 من “العمران” لشركة خاصة يملكها منعش عقاري معروف بمبلغ 2.3 مليون درهم، رغم تخصيصه للمنفعة العامة. الأدهى، بيع العقار ذاته في مارس 2023 لشركة أخرى مملوكة للمنعش نفسه وزوجة العامل المعزول، بثمن وصل إلى 14 مليون درهم (ستة أضعاف قيمته)، ليتم تحويله إلى مركز تجاري ضخم.
كشفت الوثائق عن “خطة متكاملة” لاستغلال النفوذ وتضارب المصالح، حيث تم استغلال ورقة مقايضة عبر عقار عمومي آخر في آيت ملول (كان مخصصاً لمرافق عمومية ومسجد تم تقليص مساحته) لتغيير تخصيص العقارين معاً. وقد صدرت تراخيص البناء رغم عدم استيفاء الشروط القانونية.
ويطالب فاعلون مدنيون العامل الجديد بالتحقيق في الملف وتفعيل مسطرة عزل المتورطين، مؤكدين أن هذه التجاوزات أدت إلى حرمان المنطقة من مرافق عمومية أساسية لصالح مصالح شبكة ضيقة من المستفيدين تشمل المنعش العقاري وشركائه الإداريين والسياسيين.
ويتطلع المواطنون اليوم إلى أن يتدخل العامل الجديد بحزم لإعادة الأمور إلى نصابها، من خلال إعادة النظر في الصفقات والعقود التي منحت لبعض الخواص، وضمان تدبير حضري شفاف يُعيد الثقة في الجماعة الترابية ويضمن مداخيلها المشروعة.
كما تنتظر العامل الزهر مهمة أخرى لا تقل أهمية: إصلاح ما أفسده التدبير السابق، سواء في علاقة الإدارة بالمجتمع المدني أو في تدبير بعض الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
فقد طُبع الإقليم في السنوات الماضية بنوع من الارتباك في التواصل وضعف المتابعة الميدانية، ما أفرز تراكمات واضحة في ملفات التعمير والنظافة والنقل العمومي.
المرحلة الجديدة مطالبة بترسيخ ثقافة القرب والإنصات، واستعادة هيبة الإدارة الترابية كمؤسسة مواكبة للتنمية، لا كجهاز مراقبة فحسب.
رهانات التنمية والإصلاح
ينتظر الإقليم أوراشاً كبرى تهم تأهيل البنيات التحتية في الجماعات القروية (القليعة، التمسية، أولاد دحو،ايت ملول)، ومعالجة إشكالات الماء والتطهير السائل التي تثير تذمر الساكنة منذ سنوات.
كما يتعيّن على السلطات الجديدة تحفيز الاستثمار وتبسيط المساطر الإدارية، وتوجيه الجهود نحو خلق فرص الشغل للشباب، خاصة عبر دعم المقاولات الصغيرة والمشاريع الذاتية.
ولأن الأمن هو ركيزة التنمية، فقد دعا الوزير ميراوي في كلمته العامل الجديد إلى إيلاء أهمية قصوى للجانب الأمني، في ظل ما تعرفه المدن الكبرى من مخاطر الجريمة والشغب، معتبراً أن الاستقرار هو بوابة الاستثمار والتنمية.
نحو إدارة ترابية قريبة من المواطن
اليوم، يضع سكان إنزكان آيت ملول آمالاً عريضة على العامل الجديد لإعادة الاعتبار لمنطق “الإدارة في خدمة المواطن”، وفتح صفحة جديدة عنوانها الشفافية، الإنصاف، والتعاون بين مختلف الفاعلين.
فمحمد الزهر، المعروف بانضباطه ونهجه الميداني، أمام امتحان حقيقي لقيادة مرحلة تصحيح وإصلاح، تضع الإقليم مجدداً على سكة التنمية الشاملة، بعد سنوات من الركود الإداري والجدل المحلي.
المرحلة المقبلة ستكون اختباراً للقدرة على تجسيد النموذج الجديد للحكامة الترابية الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس — نموذج يقوم على الفعالية، القرب، والمسؤولية المشتركة بين المواطن والإدارة.
وبين إرث الماضي وتطلعات المستقبل، يبقى الرهان الأكبر أمام العامل الزهر هو استعادة ثقة الساكنة في السلطة الترابية، وتحويل إنزكان آيت ملول إلى ورشة حقيقية للتنمية العادلة والمواطنة الفاعلة.











