تشهد بعض المدن المغربية منذ أيام موجة من الاحتجاجات التي كان يفترض أن تكون صوتاً سلمياً يعبر عن مطالب اجتماعية مشروعة، غير أنها سرعان ما تحولت في بعض المناطق إلى أعمال شغب وتخريب طالت الممتلكات العامة والخاصة. فقد أضرمت النيران في مؤسسات حيوية يحتاجها المواطن يومياً، وتعرضت محلات تجارية للنهب والتكسير، ولم تسلم حتى سيارات الشرطة ووسائل النقل العمومي من التخريب، وهو ما حول مشاهد التعبير السلمي إلى لوحات للفوضى والدمار، وأثار صدمة واستياء عميقين في نفوس المغاربة الذين لم يروا في هذه التصرفات سوى خيانة لروح الاحتجاج الحضاري. وهنا يطرح السؤال نفسه بحدة: هل يمكن أن نبرر الحجارة والحرائق وترويع المواطنين بحجة الدفاع عن الحقوق؟
إن التعبير عن الرأي مكفول ومضمون، لكن لا أحد يمكن أن يقبل أن يتحول الشارع إلى ساحة للفوضى والعنف. فالمواطن البسيط الذي يستيقظ ليجد متجره محطماً، أو سيارته محترقة، أو رزقه معطلاً، لا يرى في هذه الأفعال سوى اعتداء على حقه في الأمان والعيش الكريم. وما يحدث لا يخدم المطالب الاجتماعية، بل يُفرغها من مضمونها، ويجعلها في أعين الكثيرين مجرد ذريعة للفوضى.
والأخطر من ذلك أن بعض المحرضين والجانحين استغلوا هذه الأحداث ليقوموا بأعمال لا علاقة لها بالاحتجاج السلمي، من اعتداء على عناصر القوة العمومية وتخريب للمؤسسات ذات المنفعة العامة، وإتلاف للممتلكات العامة والخاصة، إلى عمليات نهب وسرقة مسّت أرزاق مواطنين أبرياء. وهكذا اختلطت المطالب الاجتماعية بأفعال إجرامية خطيرة تشوه الصورة العامة وتضرب في العمق معنى الحق في التظاهر.
الكلفة التي يتركها التخريب أثقل بكثير مما يتخيله البعض. فهي لا تقف عند حدود الأضرار المادية التي ستتطلب ملايين الدراهم لإصلاحها، بل تمتد إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية، وإضعاف ثقة المستثمرين، وإرهاب الأسر التي تبحث فقط عن الأمن والاستقرار. والأسوأ أن هذه الممارسات تسيء إلى صورة الشباب المحتج نفسه، وتضعف من قوة مطالبه، لأن العنف لا يمكن أن يكون طريقاً إلى العدالة الاجتماعية.
المغرب اليوم في حاجة إلى هدوء يعيد الاعتبار للحوار والعقلانية، لا إلى مواجهات عبثية تزيد من تعقيد الأوضاع. إن الاحتجاج السلمي المنظم هو السبيل الحقيقي للتأثير والإقناع، أما الانجرار إلى التخريب فلن يؤدي سوى إلى نتائج عكسية، وسيدفع ثمنها أولاً وأخيراً نفس الشباب الذين يطالبون بالتغيير.
لقد آن الأوان لأن نرفع الصوت بوضوح: لا للفوضى، لا للتخريب، لا لتدمير الممتلكات. فالوطن أمانة في أعناق الجميع، والاحتجاج لا يصبح شريفاً إلا حين يبقى وفياً لروحه السلمية. الإصلاح ممكن، والتغيير ممكن، لكن شريطة أن نكف عن هدر الطاقات في أعمال تهدم أكثر مما تبني، وأن نتذكر جميعا أن المغرب لن ينهض إلا بسواعد أبنائه، لا بأيديهم الممدودة للحجارة.