توقيف وزارة الداخلية لعامل عمالة إنزكان أيت ملول لم يكن مفاجأة للمراقبين بقدر ما كان رسالة قوية مفادها أن منطق ربط المسؤولية بالمحاسبة أصبح قاعدة لا استثناء. القرار لم يكن وليد ضغط من جهة أو نتيجة تصفية حسابات، كما يحاول البعض أن يروج، بل ثمرة مسار من الأبحاث والتقارير الرسمية التي لا تُبنى على الإشاعة، بل على معطيات ملموسة رصدتها أجهزة الدولة المختصة.
ولمزيد من الدقة والحياد، تؤكد أنباء متطابقة أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية دخلت على خط الملف، وشرعت في تحقيقاتها بخصوص كل الملابسات المرتبطة به. وهنا تكمن الأهمية: الجميع يعرف حياد الفرقة الوطنية وتجردها، فهي لا تشتغل إلا بالوثائق والحقائق، ولا تخضع في عملها لأي تأثير أو توجيه.
المدافعون عن العامل الموقوف يرفعون شعار “المؤامرة” و”الإطاحة المدبرة”، لكن السؤال البديهي هو: من له مصلحة في حماية تضارب مصالح ثابت؟ الوثائق واضحة: وجود شركة تجمع بين زوجة العامل الموقوف وأحد المقاولين المحظوظين، وهذا في حد ذاته يضعف حجج من يصرّون على براءته المسبقة.
ثم إن الحديث عن “لوبيات” أو “مسؤولين سابقين” يسعون لتصفية حساباتهم، ليس سوى محاولة للهروب من جوهر الموضوع. الحقيقة أن شبهات أخرى تحيط بالملف، والفرقة الوطنية بصدد تمحيصها واحدة تلو الأخرى، في استقلالية تامة.
إن وزارة الداخلية لم تنتظر من يوجهها أو يفرض عليها قرارات جاهزة. هي مؤسسة قائمة بذاتها، تستند إلى تقاريرها وأجهزتها الرقابية، وتتحرك في الوقت المناسب. وما وقع في إنزكان يثبت مرة أخرى أن لا أحد فوق المحاسبة، وأن رهان الدولة اليوم هو حماية المرفق العمومي من أي استغلال نفوذ أو تضارب مصالح.
الذين يختبئون وراء شعارات التضامن الأعمى، عليهم أن يتذكروا أن المؤسسات لا تحاسب بالانفعالات، بل بالحقائق، وأن دخول الفرقة الوطنية على الخط دليل إضافي على أن الملف يسير نحو مسار واضح وشفاف، حيث لا مكان إلا للوثائق والبراهين.
الرسالة واضحة: العدالة تأخذ مجراها، ومن يحاول تزييف الصورة إنما يكشف عن ارتباطه المباشر أو غير المباشر بشبكة مصالح تفضل الصمت على مواجهة الحقيقة.