أحدث خبر توقيف عامل إقليم إنزكان آيت ملول، إسماعيل أبو الحقوق، ارتباكاً سياسياً وإعلامياً واسعاً، خصوصاً في ظل تضارب القراءات بين من يراه إجراءً عادياً يدخل في منطق ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبين من يعتبره مفاجئاً وغير منصف.
في خضم هذا الجدل، خرج رئيس جماعة القليعة بتدوينة على صفحته الرسمية، عبّر فيها عن عدم تصديقه لقرار التوقيف، واصفاً العامل بكونه بصم على “تجربة استثنائية” في التدبير، ومؤكداً أن القليعة نفسها استفادت من دعمه عبر مشاريع كبرى، أبرزها مشروع التطهير السائل الذي فاق 100 مليون درهم. وذهب أبعد من ذلك حين دعا إلى “التريث وعدم الانسياق وراء الإشاعات”.
لكن القراءة النقدية لهذا الموقف تطرح عدّة أسئلة:
هل يتعلق الأمر بموقف موضوعي يستند إلى معطيات دقيقة، أم هو مجرّد تعبير عن علاقة قرب ومصالح متبادلة بين رئيس الجماعة والعامل؟
وإذا كانت المشاريع المذكورة شاهداً على نجاعة التدبير، فهل تكفي كحجة لنفي كل شبهة اختلالات إدارية أو مسطرية؟
ثم، أليس في الدفاع المطلق عن العامل، رغم أن التحقيق ما يزال جارياً، نوع من التسرع الذي يناقض الدعوة نفسها إلى “عدم التسرع في إصدار الأحكام”؟
إن تضامن المنتخبين مع ممثلي الإدارة الترابية ليس جديداً، بل هو جزء من معادلة معقدة في تدبير الشأن المحلي، حيث يتقاطع السياسي بالإداري في شبكة مصالح متداخلة. غير أن منطق الدولة الحديثة، كما شدّد جلالة الملك في أكثر من مناسبة، يقوم على مبدأ المحاسبة والشفافية.
وعليه، فإن الدفاع غير المشروط عن أي مسؤول، قبل ظهور نتائج التحقيق، قد يُقرأ كنوع من “التزكية السياسية” أكثر مما هو تقييم موضوعي. ذلك أن الإنصاف الحقيقي لا يكون في الإشادة أو في الإدانة المسبقة، وإنما في ترك المؤسسات الرقابية والقضائية تقوم بدورها بعيداً عن الاصطفافات الشخصية أو الحسابات السياسية.
تبقى تدوينة رئيس جماعة القليعة مرآة لصراع التأويلات حول القرار، بين من يرى في العامل رمزاً للتنمية المحلية، ومن يضعه في خانة المسؤولية التي تستوجب المحاسبة متى ثبت أي تقصير. والحسم لن يكون إلا بيد التحقيق الرسمي الذي سيضع النقاط على الحروف.