لم يكن قرار وزارة الداخلية بإعفاء عامل إقليم إنزكان آيت ملول، إسماعيل أبو الحقوق، حدثاً عادياً. فالقرار جاء أياما فقط بعد نزول لجنة وزارية ثلاثية إلى مقر العمالة، في خطوة عكست حجم الغليان داخل دواليب الدولة إزاء فضائح عقارية باتت تلطخ سمعة الإقليم وتضرب في العمق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
القضية التي فجّرت الوضع تتعلق بقطعة أرضية تفوق مساحتها 4600 متر مربع، مخصصة لبناء مؤسسة تعليمية، تم تفويتها بثمن بخس، ودون تعديل مسبق لتصميم التهيئة. المفاجأة أن العقار بيع بعد سنوات قليلة بثمن مضاعف لعدة مرات، لشركة حديثة العهد تملكها أسماء مرتبطة بعلاقات عائلية وإدارية بشخصيات نافذة محلياً.
لتكتمل المهزلة، جرى تعديل تصميم التهيئة على المقاس، وتحويل العقار إلى فضاء تجاري، قبل أن يحصل المالكون الجدد على رخصة بناء لمشروع ضخم من خمسة طوابق، في منطقة لم يكن مسموحاً فيها سوى بثلاثة طوابق.
هذه الصفقة ليست مجرد خرق إداري عابر، بل نموذج فجّ لـ تضارب المصالح واستغلال النفوذ. كيف يمكن تفسير أن عقاراً موجهاً لبناء مدرسة يُحوَّل بقدرة قادر إلى مشروع استثماري تجاري مربح، وبأسماء ترتبط مباشرة بمسؤولين في قلب القرار الترابي؟
الخطير أن الأمر لا يتعلق بحالة معزولة، بل يبدو وكأنه منهجية ممنهجة، إذ ظهرت معطيات عن صفقات مشابهة في مناطق أخرى من نفوذ ترابي مجاور. المخطط واحد: عقارات مخصصة للمرافق العمومية تُفوت بأثمنة زهيدة، ثم يعاد بيعها بأثمان مضاعفة بعد تفصيل التهيئة على المقاس، وتحويلها إلى مشاريع تجارية وسكنية. إنها صناعة غنية للوبيات العقار على حساب مصلحة المواطنين وحقهم في التعليم والخدمات الأساسية.
إعفاء العامل أبو الحقوق قد يُقرأ كرسالة بأن الدولة لا تتسامح مع العبث بالملك العمومي، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل سيتم فتح تحقيق قضائي شامل يكشف خيوط هذه الشبكة ويحدد المسؤوليات بدقة؟ أم أن الأمر سيتوقف عند التضحية برأس واحد، بينما المستفيدون الحقيقيون يواصلون التلاعب بثروات الإقليم؟
ما يجري في إنزكان ليس مجرد فضيحة عقارية، بل صفعة قوية لمبدأ الحكامة وثقة المواطن في المؤسسات. فكيف يطلب من المواطنين احترام القانون، بينما يتم دوسه بالأقدام في الصفقات الكبرى التي تخدم مصالح ضيقة؟
وما يحز في النفس أكثر هو الدفاع المستميت عن العامل المقال من طرف بعض من يقدّمون أنفسهم كسياسيين، لا لشيء سوى لأنهم ينحدرون من نفس المنطقة التي ينحدر منها، أو لأن بينهم وبينه مصالح مشتركة ستنكشف قريباً. هذا السلوك يكشف أن الولاءات الضيقة والمصالح الشخصية ما زالت تتحكم في مواقف بعض المنتخبين، ولو على حساب سمعة الإقليم ومصلحة ساكنته.
إن الإعفاء وحده لا يكفي. المطلوب اليوم محاسبة شاملة، وفتح ملفات أخرى قد تكشف أن ما جرى ليس إلا الجزء الظاهر من جبل جليد الفساد العقاري. فوزارة الداخلية قادرة على مواجهة لوبيات العقار ومصالحها، ولن تُترك الساحة مفتوحة لمزيد من العبث الذي يحول المرافق العمومية إلى غنائم في يد قلة نافذة.