في مدينة أكادير، التي تشهد تحولًا عمرانيًا واقتصاديًا لافتًا خلال السنوات الأخيرة، يبرز مستشفى الحسن الثاني الجهوي كـ”نقطة سوداء” تنغّص على الساكنة طموحاتهم في العيش الكريم، وتفضح الفجوة العميقة بين مشاريع التهيئة الكبرى، وواقع الخدمات الاجتماعية الأساسية، وعلى رأسها الصحة.
رغم ما يُقال عن الدينامية الاقتصادية التي باتت تعرفها أكادير، بفضل الأوراش الكبرى والمشاريع الملكية المهيكلة، فإن هذا المستشفى لا يزال عالقًا في زمن الإهمال. سنوات من الانتظار، ومئات المقالات والتحقيقات الصحفية، وشهادات المواطنين المتذمرين، كلها لم تكن كافية لتحريك مياه التسيير الآسنة داخله.
بنية متآكلة وخدمات مُهينة
مستشفى الحسن الثاني، الذي من المفترض أن يكون مركزًا طبّيًا مرجعيًا لجهة سوس ماسة، يعاني من أعطاب بنيوية عميقة:
نقص حاد في التجهيزات الأساسية، وغالبًا ما يُطلب من المرضى اقتناء مواد ومستلزمات من خارج المستشفى.
ندرة في الأدوية، مما يُفرغ وصفات الأطباء من معناها.
اكتظاظ مهول، يقابله عدد محدود من الأطر الطبية والتمريضية، المنهكة أصلًا.
سوء المعاملة، وطول فترات الانتظار، ورداءة خدمات الاستقبال والتوجيه، تحوّل رحلة العلاج إلى تجربة مذلة، خصوصًا للطبقات الفقيرة.
دار لقمان على حالها… والصحافة تُنادي بلا مجيب!
لقد تناولت الصحافة الوطنية والجهوية هذا الموضوع آلاف المرات، واستعرضت شهادات صادمة لمواطنين يروون معاناتهم داخل أروقة هذا المرفق، بل هناك من شبهه بـ”مقبرة للأحياء”. لكن رغم ذلك، لم يتغير شيء. وكأن هناك قرارًا غير معلن بالإبقاء على هذا الواقع المريض، وتجاهل صرخات المرضى وأسرهم.
أزمة عمرها عقود…
المؤسف في كل هذا أن الوضع الكارثي لمستشفى الحسن الثاني ليس وليد اليوم، بل يعود إلى أكثر من 35 سنة من التدهور التدريجي. فقد تعاقب على تسييره عدد من المديرين والمسؤولين، دون أن ينجح أي منهم في إحداث تغيير ملموس أو إصلاح فعلي. ورغم الوعود المتكررة بتحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية، ظل المستشفى عالقًا في دوامة الأعطاب نفسها، ما يعكس خللًا عميقًا في الحكامة الصحية على المستويين الجهوي والوطني.
من المستفيد من الفشل؟
الغريب في الأمر أن المدينة، بالموازاة مع انهيار القطاع العام في الصحة، تعرف تفريخًا مهولًا للمصحات الخاصة، وكأنها تنمو على أنقاض المستشفى الجهوي المحتضر. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل:
هل فشل القطاع العام في الصحة مجرد صدفة؟ أم أنه سياسة ممنهجة لفتح المجال أمام القطاع الخاص؟
الرسالة باتت واضحة: “اللي بغا يتشافى، خاصو يخلص”. وهذا ما يتنافى كليًا مع مبادئ العدالة الاجتماعية والتضامن التي يُفترض أن تؤطر السياسات العمومية.
هل من حل؟ إغلاق… لا إصلاح
في ظل هذا الوضع المزري، لم تعد المسكنات تنفع. أفضل قرار يمكن اتخاذه اليوم هو الإغلاق النهائي لهذا المستشفى السيئ الذكر، والتعجيل بافتتاح المستشفى الجامعي الجديد، الذي يعقد عليه سكان سوس آمالًا كبيرة في أن يكون بديلًا حقيقيًا، يوفّر خدمات صحية لائقة تحفظ كرامة المواطن.
لكن، هل سيتغير شيء فعليًا بدون إصلاح شامل لمنظومة التسيير؟ هل يكفي بناء جدران جديدة دون مراجعة عميقة لآليات التدبير، وربط المسؤولية بالمحاسبة؟
مستشفى الحسن الثاني لا يمثل فقط أزمة صحة، بل هو مرآة عاكسة لفشل السياسة الصحية في المغرب، وللتفاوتات المجالية التي لا تزال تميز بين المركز والهامش. أما أكادير، فهي تواصل عيش تناقضها المرير بين واجهتها اللامعة، وواقعها الصحي المتعفن.