استنفرت تقارير صادرة عن أقسام “الشؤون الداخلية” التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية عدداً من المصالح المركزية في البلاد، إثر كشفها عن معطيات وصفت بـ “الخطيرة” حول خروقات جسيمة شابت تدبير المشاريع والصفقات داخل عدد من المجالس الجماعية. ووضعت هذه التقارير رؤساء جماعات ومنتخبين نافذين تحت المجهر، متهمة إياهم باستغلال مواقعهم لتحقيق استثمارات شخصية مشبوهة.
تركزت أبرز الاختلالات التي كشفت عنها التقارير على الشق العقاري والتعميري، حيث أشارت إلى وجود مخالفات تعميرية “بالجملة” همّت تجزئات سكنية خاصة يملكها رؤساء مجالس ونوابهم ومستشاروهم. وتشمل هذه الخروقات:
تلاعبات في التجهيزات الأساسية: رصدت التقارير نقصاً وتلاعباً في تجهيزات التجزئات الخاصة بهم، شملت الربط بالطرق والكهرباء والماء الصالح للشرب، ما يثير تساؤلات حول معايير الترخيص والمراقبة.
الحصول على امتيازات تفضيلية: كشفت المعطيات تورط عدد من المنتخبين في استغلال النفوذ للحصول على رخص استثنائية ومعاملة تفضيلية في شروط الاستفادة من رخص تجزئات سكنية وصناعية.
تحويل مسار عقارات عمومية: أشارت التقارير إلى عمليات مشبوهة لتفويت أراضٍ عمومية، بعضها كان مخصصاً للسكن الاجتماعي أو ترحيل سكان دور الصفيح، قبل أن تتحول لاحقاً إلى مناطق مخصصة لبناء الفيلات، خاصة بضواحي العاصمة الاقتصادية.
لم تقتصر الاختلالات على التعمير، بل امتدت لتشمل التدبير المالي للجماعات عبر تلاعبات خطيرة في الصفقات العمومية:
المناقصات الصورية: سجلت التقارير مئات الصفقات المشبوهة التي اتخذت شكل مناقصات صورية، صنفت ضمن خانة الاختلاسات التي تستوجب الإحالة على القضاء.
احتكار المقاولات الخاصة: تم إحصاء تمرير صفقات بطرق ملتوية لفائدة مقاولات أنشأها المنتخبون أنفسهم لتنفيذ مشاريع جماعية، ما يمثل تضارباً صارخاً في المصالح.
تبادل المنافع والتستر: رُصد احتكار شركات مرتبطة برؤساء الجماعات لمعظم صفقات التجهيز والأشغال والتموين، مع تسجيل لجوء متكرر إلى نفس الممونين، ما أدى إلى ارتفاع غير مبرر في كلفة الخدمات، والتستر على هذه الخروقات عبر عدم تعيين لجان فتح الأظرفة أو عدم الاحتفاظ بملفات باقي المتنافسين.
هذا وأفادت مصادر عليمة أن هذه التقارير دفعت مكاتب العمال المعينين حديثاً لاستقبال ملفات ثقيلة، كما لمّحت إلى ضرورة فتح تحقيقات مستعجلة وافتحاص ملفات المشاريع لكشف مدى تورط المنتخبين في ابتزاز المستثمرين والتصرف غير القانوني في العقارات العامة.
تأتي هذه المعطيات لتؤكد أن عدداً من رؤساء المجالس والمستشارين أصبحوا بالفعل في مرمى قرارات التوقيف وملتمسات العزل المعروضة حالياً على القضاء الإداري، ما ينذر بموجة تطهير واسعة قد تعيد النظر في كيفية ممارسة السلطة المحلية وتدبير المال العام.












