تقرير فرنسي يشيد بالتجربة المغربية في الاستخبارات ويصفها بالنموذج السيادي الرائد

في خطوة أكاديمية وأمنية تعكس الاهتمام الدولي المتزايد بالتجربة المغربية في مجال الاستخبارات، كشف “المعهد الفرنسي R.O.C.K. Institute” بالتعاون مع “Quantinel Group” الفرنسية، عن تقرير استراتيجي موسع صدر اليوم الخميس، يسلط الضوء على التحولات القانونية، والتطورات الاستراتيجية، والتحديات السيادية التي تواجه أجهزة الاستخبارات المغربية في ظل ما وصفه ب”عصر التهديدات الهجينة”.

التقرير، الذي أعده رئيس المعهد كمال أقريديس بتنسيق مع اللجنة العلمية للمؤسسة، يؤكد أن المملكة المغربية أضحت نموذجا إقليميا ودوليا في القدرة على الجمع بين الفعالية الميدانية والالتزام الصارم بالقوانين الوطنية والمعايير الدولية، مع الحفاظ على مكانتها كفاعل أساسي في الأمن الإقليمي والعالمي.

وقد صدر هذا التقرير اليوم الخميس 14 غشت 2025 تحت عنوان “الاستخبارات في المغرب: التطور القانوني، التحولات الاستراتيجية، ورهانات السيادة في عصر التهديدات الهجينة”، وهو دراسة معمقة تتتبع المسار التاريخي للاستخبارات المغربية منذ جذورها في البنية التقليدية للدولة المغربية، التي اعتمدت على شبكة من المخبرين المحليين من النخب القبلية والدينية، إلى تشكل مؤسسات حديثة عالية الاحترافية مثل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، والمديرية العامة للدراسات والمستندات، والمكتب المركزي للأبحاث القضائية.

التقرير أوضح أن الاستخبارات، في مفهومها الاستراتيجي، هي أداة سيادية بامتياز، تتجاوز مهام مكافحة الجريمة أو الإرهاب لتصبح وسيلة لحماية الدولة وتوجيه قراراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وقد أشار التقرير إلى أن المغرب، عبر تاريخه، استخدم المعلومة الاستخباراتية كوسيلة للحفاظ على وحدة أراضيه وضمان استقراره الداخلي، لكنه اليوم يواجه تحديا مزدوجا، وهو الحفاظ على الفعالية العملياتية في الميدان، مع احترام القوانين الوطنية والالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحماية البيانات.

ويبرز التقرير أن أحداث 16 ماي 2003 كانت لحظة مفصلية في هذا المسار، حيث دفعت إلى سن القانون 03-03 لمكافحة الإرهاب، الذي أدخل تعديلات جوهرية على القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وأضاف آليات جديدة للتحقيق والملاحقة القضائية.

كما اعتبر أن دستور 2011 عزز هذا الإطار القانوني عبر نصوص تحمي الحياة الخاصة وحق الحصول على المعلومات، مع استثناءات محددة تتعلق بالأمن والدفاع الوطني.

وفي الجانب المؤسسي، أشاد التقرير بالقيادة المزدوجة لعبد اللطيف حموشي على رأس كل من المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني منذ سنة 2015، واعتبر أن هذا النموذج النادر سمح بتحقيق تناغم عملياتي وتنسيق فعال، معززا التعاون الدولي، وهو ما ترجم في شكل أوسمة وتقديرات من دول كبرى مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة. كما نوه بدور محمد ياسين المنصوري، أول مدني يقود المديرية العامة للدراسات والمستندات، في تعزيز الحضور الخارجي للمغرب عبر الدمج بين الدبلوماسية والعمل الاستخباراتي.

أما على مستوى التهديدات، فقد حذر التقرير من أن المخاطر الحالية لم تعد تقليدية أو معزولة، بل باتت “هجينة” ومرتبطة ببعضها البعض، وتشمل الإرهاب العالمي، والحروب السيبرانية، وحملات التضليل الإعلامي، والتجسس الاقتصادي، واستغلال الذكاء الاصطناعي في صناعة الأخبار الزائفة أو الهجمات الرقمية، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالتشفير ما بعد الكمي. وأشار إلى أن المغرب تمكن بين 2002 و2022 من تفكيك أكثر من 2000 خلية إرهابية، مع تعزيز قدراته في مواجهة الهجمات السيبرانية وحماية البنى التحتية الحيوية.

ومن بين التوصيات التي حملها التقرير هو سن قانون-إطار شامل ينظم مهام وصلاحيات أجهزة الاستخبارات ويحدد ضوابطها، كتحديث المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية لمواكبة تحديات التخزين السحابي والتشفير المتقدم، و تعزيز تطبيق قانون 05-20 الخاص بأمن الأنظمة المعلوماتية، وإدماج التشفير ما بعد الكمي في السياسات الوطنية، وإقامة نظام وطني لحوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الأمني. كما دعا إلى نشر تقرير سنوي عمومي يعرض بيانات إحصائية عامة عن نشاط الأجهزة، بهدف تعزيز الشفافية وبناء الثقة بين المواطن والدولة، وترسيخ مصداقية المغرب لدى شركائه الدوليين.

ويخلص التقرير إلى أن المغرب، الذي راكم تجربة رائدة في الدمج بين الحرفية الأمنية واحترام الحقوق والحريات، مقبل على تحديات أعقد بحلول 2030، حيث سيكون عليه ليس فقط حماية أراضيه، بل أيضا استباق التهديدات في بيئة تكنولوجية متسارعة ومعقدة، مما يتطلب إطارا قانونيا مرنا، وثقافة ابتكار سيادية، وقدرة على توظيف الاستخبارات كأداة قوة شاملة تضمن للمملكة سيادتها وتثبت مكانتها كحليف استراتيجي موثوق في عالم مضطرب.

الأخبار ذات الصلة

1 من 337

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *