أكد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، اليوم الخميس، أن استرجاع إقليم وادي الذهب ذكرى مجيدة طافحة بأسمى القيم الوطنية المثلى والذود عن حمى الوطن ووحدته.
وأوضح السيد الكثيري، خلال مهرجان خطابي نظم بالداخلة تخليدا للذكرى الـ 46 لاسترجاع إقليم وادي الذهب، أن هذه الذكرى المجيدة “طافحة بأسمى القيم الوطنية المثلى، وما تجسده من معان عميقة ودلالات رمزية تنبض بما يخالج النفوس من مشاعر التمسك بمقومات الهوية المغربية الأصيلة والثوابت الوطنية الخالدة والذود عن حمى الوطن وحياضه ووحدته”.
وأبرز في السياق، أن الحفاظ على الذاكرة التاريخية وصيانتها وضمان استمراريتها، يكتسي القيمة الرمزية والمكانة الأساسية التي أنيطت بالأجيال السالفة وأوكلت مسؤولية صيانتها للأجيال الحاضرة وتتحمل الأجيال القادمة مسؤولية استدامتها وإشعاعها.
وبعد أن توقف عند مختلف المحطات المشرقة من نضالات الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجاهد، واستحضر ذلك التاريخ الحافل بعظيم الأعمال وروائع الأمجاد، وتلك الدرر التي جسدت التلاحم بين القمة والقاعدة، قال السيد الكثيري إن المغرب وعبر كل حقبه وأزمنته التاريخية كان، وسيظل، حصنا حصينا وقلعة منيعة في وجه الأطماع والتحرشات الأجنبية بفضل شهامة وشجاعة أبنائه وشدة بأسهم وقوة شكيمتهم في التصدي للوجود الاستعماري والوقوف في وجه المتربصين بالوطن وإحباط مخططاتهم.
وتابع أنه مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تكالبت القوى الاستعمارية على المغرب، وبدأ مسلسل تجزيئ وتقسيم ترابه المقدس، لكن الكفاح الوطني الطويل والشاق الذي خاضه العرش العلوي الأبي والشعب المغربي الوفي على مدى السنين، أفضى في نهاية المطاف إلى اعتراف فرنسا وإسبانيا باستقلال المغرب وبأن تقسيم البلاد وتجزئتها لم يكن إلا إجراء إداريا استعماريا، وأنه من الطبيعي والمنطقي إعادة توحيدها ولم شمل أبنائها.
وبعد العودة الميمونة لجلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، وشروعه في خوض معركة استكمال الوحدة الترابية، كانت الاستجابة الفورية لسكان الأقاليم الجنوبية، إذ قدموا إلى الرباط لتجديد بيعة الرضا والرضوان وإعلان تجندهم المستمر لاستكمال ملحمة الكفاح وتحقيق الوحدة الترابية، معربين عن تعلقهم بأهداب العرش العلوي المجيد، وانخراطهم بقوة ضمن طلائع جيش التحرير بالجنوب المغربي الذي ما لبث أن انطلقت ملاحمه ضد القوات الفرنسية والاسبانية في عدد من المعارك ومن بينها “أم العشار” و”مركالة” و”السويحات” سنة 1956 و”الرغيوة” و”وادي الصفا” و”آيت باعمران” سنة 1957 و”الدشيرة” سنة 1958.
وأضاف السيد الكثيري أنه لم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال، مذكرا أنه في هذا الظرف، جاءت زيارة جلالة المغفور له محمد الخامس، أكرم الله مثواه، إلى محاميد الغزلان وخطابه التاريخي بها يوم 25 فبراير 1958، الذي كان دعوة صريحة من جلالته لمواصلة درب الكفاح من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة.
وتابع أنه لم يمض على هذه الزيارة الملكية سوى شهر ونصف حتى تحقق استرجاع إقليم طرفاية في 15 أبريل 1958، ليتم بعد ذلك استرداد مدينة سيدي إفني إلى حظيرة الوطن يوم 30 يونيو 1969، مبرزا أن مسلسل استكمال الوحدة الترابية توج بتنظيم المسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعتها العبقرية الفذة لجلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، لاسترجاع الأقاليم الصحراوية المغتصبة، ولترتفع راية الوطن خفاقة في سماء مدينة العيون في 28 فبراير 1976 إيذانا بإجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية.
وفي يوم 14 غشت 1979، يضيف السيد الكثيري، كان أبناء إقليم وادي الذهب على موعد مع التاريخ، كما دأبهم دائما، حينما توجه ممثلوهم من الشرفاء والشيوخ والوجهاء والأعيان والعلماء وسائر ممثلي القبائل الصحراوية إلى عاصمة الم لك، الرباط، مجددين لأمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين جلالة المغفور له الحسن الثاني، آيات ولائهم وإخلاصهم ومعبرين عن تمسكهم بالعرش العلوي المنيف، سيرا على هدي أبائهم وأجدادهم، واصلين الحاضر بالماضي ومؤكدين تشبثهم بمغربيتهم والتزامهم الدائم بالوحدة الترابية المقدسة من طنجة إلى الكويرة.
وشدد على أن الاحتفاء بهذه الذكرى المجيدة يعد مناسبة للتأكيد على التعبئة المستمرة واليقظة الموصولة لأسرة المقاومة وجيش التحرير كسائر فئات وأطياف المجتمع المغربي وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل صيانة الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية.
وفي هذا السياق، أبرز أن ملف القضية الوطنية حقق انتصارات تلو أخرى برهنت عن أحقية المملكة في استكمال وحدتها الترابية المشروعة، مشيرا إن المنتظم الدولي أدرك وجاهة ومصداقية المقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية المسترجعة، وتحقيق إدماجها الاقتصادي والاجتماعي في الكيان الوطني الموحد من طنجة إلى الكويرة.
وبهذه المناسبة، تم تكريم خمسة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وهم من صفوة أبناء هذه الربوع المجاهدة، وذلك في إطار تكريس ثقافة الاعتراف والوفاء والعرفان برجالات المغرب الأبرار الذين أخلصوا للوطن وأسدوا وضحوا ذودا عن حريته واستقلاله ووحدته.
من جهة أخرى، خصصت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إعانات مالية لعدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم عرفانا بما أسدوه خدمة للوطن، وتعدادها 45 إعانة مالية كإسعاف اجتماعي بغلاف إجمالي قدره 90.000 درهم.
وعرف هذا المهرجان الخطابي، على الخصوص، حضور والي جهة الداخلة – وادي الذهب عامل إقليم وادي الذهب، وعامل إقليم أوسرد، و رؤساء المجالس المنتخبة، وعدد من المنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية، وشخصيات مدنية وعسكرية، وأعضاء المقاومة وجيش التحرير المرافقين للمندوب السامي، بالإضافة إلى أفراد من أسرة المقاومة وجيش التحرير بالجهة وذوي الحقوق.