في عالم أصبحت فيه المعلومة سلاحاً فتاكاً، تشهد الساحة الرقمية سباقاً محموماً بين أجهزة الأمن وخصومها. وفي هذا السياق، برزت مؤخراً حملة تحت اسم “جبروت”، محاولة إحياء روايات كلاسيكية بغية تشويه سمعة جهاز حساس ومسؤوليه. تستهدف الحملة، بأسلوب مكشوف، المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ومديرها العام عبد اللطيف حموشي، الذي يعتبر من أبرز أركان الاستخبارات والأمن في المنطقة. ولكن ما وراء هذا الصخب الإعلامي، لا نجد إلا فقاعة دعائية محكوم عليها بالانفجار.
إن تاريخ هذه المناورات ليس جديداً، فهو يتبع منهجية ثابتة: تبدأ بتسريب معلومات مزعومة، ثم يتم تضخيمها عبر قنوات مأجورة وحسابات مزيفة، بهدف خلق صورة زائفة عن هشاشة أمنية. لكن المغرب، الذي راكم خبرة واسعة في مواجهة حروب الجيل الخامس، لم يقف مكتوف الأيدي. فقد طور قدرات استخباراتية وهندسة سيبرانية متقدمة، تمكنه من كشف مصدر الهجمات، وتحليل بصمتها الرقمية، وإبطال مفعولها قبل أن تحقق أهدافها.
الادعاءات الأخيرة، التي تحدثت عن مراقبة اتصالات جلالة الملك وكبار المسؤولين، تصطدم بواقع التحصينات الأمنية للدولة المغربية. هذه التحصينات لا تعتمد على نظام واحد، بل على أنظمة تشفير متعددة الطبقات (Multi-Layer Encryption)، وبنية تحتية سيبرانية متطورة مبنية على مبدأ “الدفاع العميق” (Defense in Depth). هذا النظام يتيح رصد أي نشاط غير طبيعي في الوقت الحقيقي، عبر أنظمة كشف التسلل والذكاء الاصطناعي التحليلي، مما يجعل أي محاولة اختراق شبه مستحيلة.
يضاف إلى ذلك، أن التعاون المغربي مع أجهزة استخبارات عالمية، مثل الـ”إف بي آي” (FBI) ونظيراتها الأوروبية، لا يقتصر على تبادل المعلومات التقليدية. بل يشمل أيضاً مشاركة بروتوكولات حماية البنية التحتية الرقمية، وتطوير برامج تدريب متقدمة في الأمن السيبراني. هذه الشراكات الدولية تجعل أي هجوم على المغرب ليس مجرد معركة محلية، بل مواجهة مع شبكة دولية متكاملة من الحماية والرصد.
تحليل تقني لهذه الحملة يكشف أن “جبروت” تعتمد على مزيج من هجمات “التصيّد الاحتيالي” (Phishing)، واستغلال الثغرات في الأنظمة غير المحدثة. ثم يتم تضخيم أي بيانات جزئية يتم الحصول عليها، بدمجها مع معلومات قديمة مسربة من السوق السوداء الرقمية. وتشير التحقيقات التقنية إلى أن البنية التحتية لهذه الهجمات تعتمد على خوادم وسيطة في عدة دول، بعضها معروف بأنه مراكز نشاط سيبراني مدعوم من جهات معادية للمغرب، مما يعزز فرضية وجود تمويل خارجي وحاضنة استخباراتية وراء هذه الحملة.
وقد كان الرد المغربي على “جبروت” رداً مزدوج المسار: من جهة، تحريك المسار القضائي ضد مروجي هذه الأكاذيب، كرسالة واضحة بأن التشهير بالمؤسسات الأمنية له عواقب قانونية صارمة؛ ومن جهة أخرى، تعزيز الجبهة الداخلية عبر توعية الرأي العام بخطورة الحروب المعلوماتية، وإبراز قدرة الأجهزة الأمنية على حماية أسرار الدولة.
مصير “جبروت” لن يختلف عن مصير الحملات المشابهة التي سبقتها. ستخبو شرارة الإثارة الإعلامية سريعاً أمام صرامة الحقائق، بينما يظل الجهاز الأمني المغربي ثابتاً، يثبت يوماً بعد يوم أن جدار المغرب الأمني ليس فقط منيعاً، بل هو أيضاً قادر على تحويل كل هجوم إلى فرصة للتعلم والتطوير في فنون الدفاع والهجوم السيبراني.
A.Bout