مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية، تبدو الساحة السياسية مهيأة لتحولات دقيقة داخل الأغلبية الحاكمة، ليست نتيجة صراعات صريحة أو تفكك معلن، بل عبر مؤشرات ناعمة تعكس بداية مسار جديد في وظيفة التحالف السياسي وطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع.
وتبدو الأغلبية الحكومية أقرب إلى صيغة تدبيرية وظيفية ترتكز على الانسجام الجزئي والحفاظ على الاستقرار المؤسساتي، دون توافق كامل حول المرجعيات والأولويات.
ومع اقتراب الانتخابات، قد تبدأ مكونات الأغلبية في استعادة خطابها المستقل، بهدف تحصين مكانتها لدى القواعد الجماهيرية أو تمهيدا لمرحلة ما بعد الانتخابات، هذا الانزياح لن يعني انهيار التحالف بالضرورة، بل انتقال الالتزام من استراتيجية جماعية إلى تكتيك ظرفي أكثر مرونة.
الأحزاب المكونة للأغلبية تواجه تحديا مزدوجا: الاستمرار في الدفاع الجماعي عن حصيلة حكومية قد تكون مثقلة بالضغوط الاجتماعية والاقتصادية، أو التركيز على إبراز خصوصيتها وتاريخها الحزبي لضمان حضورها الانتخابي. هذا التمييز قد يصبح جذابا أكثر مع تنامي الغضب الشعبي الناتج عن ارتفاع تكاليف المعيشة والفوارق المجالية وتحديات التشغيل، حيث يسعى كل حزب إلى إعادة بناء سرديته الخاصة حول ما أنجزه وما لم يتحقق.
التحولات المحتملة داخل الأغلبية مرتبطة بالمزاج الاجتماعي العام، أي انزلاق في الخطاب نحو التموقع السياسي على حساب الإنجاز العمومي قد يفسر شعبيا كنوع من التنصل من المسؤولية، مما يفاقم أزمة الثقة بين المواطنين والنخب ويهدد بالاستمرار في قطيعة رمزية بين السياسة والمجتمع.
مع اقتراب الاستحقاقات، قد نشهد ما يمكن وصفه بـ”الازدواج الرمزي”: خطاب تضامني داخل الحكومة، وخطاب انتخابي فردي خارجها، يعيد رسم الحدود بين ما تم إنجازه جماعيا وما لم يتحقق فردياً، كنوع من توزيع المسؤولية الرمزي بين الأحزاب، إن النتيجة المحتملة هي خطاب سياسي مفتت يزيد من ارتباك الرأي العام ويعمق أزمة المعنى في المجال العمومي.
إن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في الحفاظ على تماسك الأغلبية، بل في استعادة معنى الالتزامات السياسية أمام المواطنين، أي تفكك محتمل لن يكون حدثًا سياسيا عابرا، بل إعلانا ضمنيا عن فشل نموذج كامل لإنتاج الاستمرارية السياسية. المرحلة المقبلة تتطلب وعيا استراتيجيا بمآلات هذا الانزياح، وقدرة على تجاوز الحسابات الظرفية لصالح التفكير الجماعي في مستقبل الدولة والتنمية والتمثيل السياسي.
والى ان تحل الانتخابات، يبدو أن السباق الحقيقي بين أحزاب الأغلبية سيتركز على استعادة الهوية الحزبية، ضبط خطابها وضمان مكانتها في المشهد السياسي القادم، مع الحفاظ على الحد الأدنى من الانسجام الحكومي كشرط للبقاء في السلطة.