تستعد مدينة أكادير الساحلية، القلب النابض لجهة سوس ماسة، لاستقبال العالم بأسره، مدفوعة ببرنامج تنموي طموح يهدف إلى تحويلها إلى مدينة حديثة ومستدامة. في غضون السنوات القادمة، ستكون أكادير في صدارة المشهد الرياضي العالمي، حيث تستضيف أحداثًا رياضية كبرى من شأنها أن تحدث طفرة نوعية في اقتصاد المنطقة والمغرب ككل.
ملاعب عالمية وبنية تحتية متطورة
يخضع ملعب أدرار، الذي يتسع لـ 45,480 متفرجًا، لتجديدات واسعة النطاق ليكون جاهزًا لاستضافة مباريات كأس الأمم الأفريقية في دجنبر المقبل. لكن الطموح يتجاوز ذلك بكثير، حيث من المقرر أن يستضيف الملعب أيضًا مباريات كأس العالم لكرة القدم 2030، إلى جانب خمسة ملاعب مغربية أخرى في الدار البيضاء ومراكش وطنجة والرباط وفاس.
هذه الاستضافة المشتركة لكأس العالم، بالتعاون مع البرتغال وإسبانيا، تعد بـانتعاش اقتصادي هائل للمغرب. ومن المتوقع أن تستفيد قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، السياحة، النقل، وتجارة التجزئة بشكل مباشر. وتشير التقديرات إلى إنفاق حوالي 5 مليارات دولار على البنية التحتية وحدها في المغرب.
أكادير، كمركز إداري لجهة سوس ماسة، تشهد بالفعل استثمارات ضخمة في بنيتها التحتية لاستيعاب التدفق المتوقع للزوار الدوليين. فإلى جانب تجديد ملعب أدرار، يتم ضخ استثمارات جديدة في مرافق التدريب، وتوسيع شبكات النقل، وزيادة القدرة الاستيعابية لأماكن الإقامة.
السياحة: قاطرة النمو
يؤكد رشيد بوخنفر، نائب رئيس جهة سوس ماسة وخبير في الإقتصاد وتأهيل الكفاءات والمسؤول عن التنمية الاقتصادية في مجلس الجهة، لموقع “African Business
“، على أن هناك “فرصًا واعدة في قطاع السياحة، وتُخلق فرص عمل في قطاع البناء، والعديد من القطاعات الأخرى. الزخم موجود”. ويشير إلى أن الاستعدادات لكأس الأمم الأفريقية وكأس العالم قد حفّزت استثمارات جديدة من القطاعين العام والخاص.
يُعد مطار أكادير من بين المطارات المقرر توسعتها في المملكة لاستيعاب الزيادة المتوقعة في عدد الزوار الدوليين. ويوضح بوخنفر أن المجلس يخصص “موارد كبيرة لتعزيز الربط الجوي وتطوير البنية التحتية السياحية القائمة، وخاصة الفنادق والبنية التحتية الاقتصادية المرتبطة بها”.
تعمل أكادير على تنويع معالمها السياحية لتعزيز تجارب الزوار، بما في ذلك الترويج لأنشطة متخصصة كالسياحة الثقافية، والرياضات المائية (خاصة ركوب الأمواج)، والجولف، والخدمات الموجهة للرحالة الرقميين.
تظهر المؤشرات الأولية أن هذه الاستراتيجية بدأت تحقق “نتائج واعدة”، حيث يشير بوخنفر إلى الارتفاع الكبير في أعداد الوافدين الدوليين إلى المدينة، مقتربًا من مليون ونصف المليون زائر. كما ازدادت حركة الرحلات الجوية في مطار أكادير لتصل إلى 453 رحلة أسبوعيًا، وتتصدرها السوق البريطانية، تليها السوقان الفرنسية والألمانية.
تظل السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد المغربي. ففي عام 2024، سجلت البلاد 17.4 مليون سائح، بزيادة قدرها 20% مقارنة بعام 2023، مما جعل المغرب البلد الأكثر زيارة في أفريقيا. ويؤكد بوخنفر أن استضافة كأس الأمم الأفريقية وكأس العالم ستساهم في استدامة النمو القوي لهذا القطاع الحيوي.
رؤية ملكية وبرنامج تنموي شامل
يؤكد بوخنفر أن استضافة كأس الأمم الأفريقية وكأس العالم، رغم أهميتهما، لا تمثل سوى جزءًا من رؤية أوسع لتحويل أكادير إلى “مدينة حديثة ونابضة بالحياة ومستدامة”. ويشير إلى أن “موقعنا المركزي الذي يربط شمال المغرب وجنوبه يشكل أهمية بالغة، كما أن المنطقة تستفيد من الترابط الإقليمي القوي”.
لقد أطلق جلالة الملك محمد السادس في عام 2020 برنامج التنمية الحضرية الحالي للمدينة، والذي يهدف إلى “تحويل المنطقة إلى بيئة أكثر ملاءمة للعيش وديناميكية وتنافسية للمواطنين والسياح والمستثمرين على حد سواء”.
يستهدف البرنامج التجديد الحضري ويركز على تعزيز البنية التحتية، وتحسين التنقل، ورفع مستوى جودة الحياة، وتطوير الأحياء غير المجهزة، وتشجيع السياحة، ودعم الزراعة المستدامة، وتحفيز النمو الصناعي، وتعزيز المرافق الاجتماعية في التعليم والصحة والتجارة المحلية.
استدامة ومستقبل واعد
في قطاع الزراعة، تستثمر المنطقة في مشاريع بنية تحتية رئيسية، مثل محطات تحلية مياه البحر و”الطرق المائية” لربط المناطق الزراعية الحيوية. تهدف هذه المشاريع إلى معالجة شح المياه الحاد الذي عانت منه البلاد في السنوات الأخيرة، مع خلق مساحات مروية جديدة لاستدامة الإنتاج الزراعي وتنويعه.
علاوة على ذلك، شرعت المنطقة في تطوير مراكز صناعية جديدة تركز على معالجة المنتجات الزراعية والسمكية، بهدف “زيادة القيمة المضافة عبر هذه القطاعات الرئيسية”. وهناك أيضًا خطط لتوسيع البنية التحتية الحالية للموانئ التجارية وتعزيز قطاع الخدمات اللوجستية، بما في ذلك التخطيط لإنشاء “ميناء جاف” داخلي لتخفيف الازدحام في الموانئ البحرية وتقريب خدمات الموانئ الأساسية من الشركات البعيدة عن الساحل.
بناء القدرات وتأهيل الشباب
يمثل تزويد الشباب المغربي بالمهارات اللازمة للحصول على وظائف جيدة ودخل أعلى محورًا رئيسيًا للمجلس الإقليمي، خاصة وأن المغرب كان يعاني من معدل بطالة مرتفع نسبيًا بلغ 8.9% في عام 2024.
يوضح بوخنفر: “لقد وضعنا استراتيجية شاملة تجمع بين ثلاثة عناصر رئيسية: ريادة الأعمال، والتوظيف، والتدريب المهني. لقد هيأنا بيئة داعمة لريادة الأعمال، تشمل حاضنات ومسرعات ومساحات عمل مشتركة ومنصات تمويل”. وقد تعزز هذا النظام البيئي الريادي من خلال ربط الشركات القائمة بالشركات الناشئة ومبادرات الأعمال الجديدة.
كمثال، يذكر مدينة سوس ماسة للابتكار، الواقعة ضمن جامعة ابن زهر بأكادير، والتي توفر مرافق للشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما في ذلك مركز للبحث والتطوير، وخدمات حضانة، وإمكانية الوصول إلى موارد مثل مساحات العمل المشتركة وبرامج التدريب.
مثال آخر هو تكنوبارك أكادير، الذي يتم تمويله من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص وهو جزء من شبكة تكنوبارك المغرب الأوسع. وخلال جولة في المركز، التقت “أفريكان بيزنس” بالعديد من المبرمجين الشباب الذين يعملون على مشاريع متنوعة، مؤكدين أن بعضهم لم تكن لديه أي مهارات أو خبرة سابقة قبل الانضمام إلى المركز. ويؤكد بوخنفر أن برامج التدريب تعطي الأولوية للشباب من الفئات الأقل حظًا، وأن “المنطقة هنا لدعمهم بالأدوات والتمويل والمنصات والشراكات اللازمة لتحويل رؤيتهم إلى مشروع مستدام وناجح”.
في مجال التدريب المهني، استثمرت المنطقة في تطوير مؤسسات تدريبية جديدة، أبرزها مدينة المهن والكفاءات، وهو مركز للتدريب المهني افتتح أبوابه في عام 2022. يقع المركز على مساحة 15 هكتارًا في منطقة دراركة بأكادير، ويوفر تعليمًا مبتكرًا وموجهًا نحو القطاعات الصناعية. تبلغ طاقته الاستيعابية 3420 مقعدًا تربويًا، ويضم 11 مركزًا تدريبيًا متخصصًا تغطي قطاعات مثل الصناعة والسياحة والزراعة والصحة والبناء والتكنولوجيا الرقمية وغيرها. والهدف هو “توفير تجارب تعليمية عملية وشاملة تتوافق مع مسارات التدريب واحتياجات المستثمرين الجدد والقطاعات الناشئة”.
آفاق مستقبلية واعدة
بحلول عام 2046، تهدف المنطقة إلى تحقيق ناتج محلي إجمالي قدره 661 مليار درهم مغربي (72.6 مليار دولار أمريكي). وتتوقع المنطقة أن يدعم هذا النمو تدفقات استثمارية سنوية تبلغ 200 مليار درهم (21.7 مليار دولار أمريكي)، منها 25% متوقعة من الاستثمار الأجنبي المباشر.
يضيف بوخنفر: “بالإضافة إلى ذلك، فإننا نستهدف أن يكون 15% من الشركات الكبرى في المغرب متمركزة في المنطقة، وإنشاء 30 ألف شركة وتعاونية جديدة سنويًا، والوصول بمعدل مشاركة القوى العاملة النسائية إلى أكثر من 50%”.
إن أكادير، برؤيتها الطموحة واستثماراتها المتواصلة، لا تستعد لاستقبال الأحداث الرياضية العالمية فحسب، بل تمضي قدمًا نحو ترسيخ مكانتها كنموذج للتنمية المستدامة والشاملة في المغرب والقارة الأفريقية. فهل ستنجح أكادير في تحقيق هذه الأهداف الطموحة وتصبح قاطرة حقيقية للتنمية؟