في سابقة تُعيد إلى الواجهة النقاش حول احترام المساطر القانونية في تدبير الشأن العام، أقدم رئيس جماعة آيت ميلك على إصدار قرارين متتاليين، أحدهما بتاريخ 01 شتنبر 2023 تحت رقم 102، والثاني بتاريخ 09 شتنبر 2024 تحت رقم 174، يقضي كل منهما بتفويض تدبير أسطول النقل المدرسي لفائدة جمعية “المركز للتنمية والثقافة والتعاون” بصفة استثنائية ومؤقتة. غير أن هذا القرار، الذي يبدو في ظاهره عملاً تنظيمياً عادياً، يُخفي في طياته خروقات قانونية خطيرة وتجاوزاً واضحاً لاختصاصات المؤسسات المنتخبة، وعلى رأسها المجلس الإقليمي.
ما يثير الاستغراب هو أن رئيس الجماعة اتخذ قراراً فردياً دون عرض الموضوع على أنظار المجلس الجماعي للمصادقة عليه، كما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. والأخطر من ذلك أن النقل المدرسي يدخل في الاختصاص الحصري للمجالس الإقليمية، وفق مقتضيات القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، وهو ما يجعل هذا القرار تجاوزاً صريحاً لمبدأ التدرج في الاختصاصات وضرباً لمبدأ التفويض المشروع بين الهيئات المنتخبة.
الأكثر إثارة للجدل هو أن قابض بيوكرى قام بصرف مبلغ مالي لجمعية “المركز”، يُقدّر بـ 10.500 درهم حسب القرار الأول، وذلك دون أن تكون هناك اتفاقية قانونية موقعة بين الجمعية والجماعة والمجلس الإقليمي، كما هو متعارف عليه في إطار الشراكات الثلاثية لتدبير مرفق النقل المدرسي. فهل أصبح صرف المال العام يتم بناءً على مجرد مراسلات وقرارات فردية دون سند تعاقدي واضح؟
قرار رئيس جماعة آيت ميلك بتمكين جمعية من الاستفادة من حافلات النقل المدرسي وتزويدها بالمحروقات، بل ومطالبتها بـ”استعمال العربات في حدود الاستعجال فقط”، يُحيل إلى تساؤلات مشروعة حول منطق الريع والاستفادة من المال العام دون حسيب أو رقيب. كما أن الجمعية التي تم تمكينها من هذا الامتياز لا تربطها أي اتفاقية تعاون مع المجلس الإقليمي، ما يُسقط الشرعية القانونية عن العملية برمتها.
في ظل هذه المعطيات، يتساءل الرأي العام المحلي:
ما هو الأساس القانوني الذي اعتمد عليه رئيس الجماعة لاتخاذ هذا القرار؟
لماذا تم تجاوز اختصاصات المجلس الجماعي والمجلس الإقليمي؟
كيف قبل قابض بيوكرى صرف منح مالية دون وجود اتفاقيات واضحة؟
ولماذا تم تفويض النقل المدرسي لجمعية واحدة دون فتح المجال للمنافسة والشفافية؟
إن ما جرى في جماعة آيت ميلك لا يمكن اعتباره مجرد “هفوة إدارية”، بل هو نموذج صريح لسوء التدبير واستغلال الثغرات القانونية لخدمة مصالح ضيقة. وهو ما يستدعي تدخل وزارة الداخلية، والمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمجلس الأعلى للحسابات لفتح تحقيق شامل في هذه النازلة.
إن تدبير النقل المدرسي، باعتباره خدمة اجتماعية حيوية تمس الأسر الهشة وتلاميذ المناطق القروية، لا يجب أن يُختزل في قرارات فردية وتفويضات غير قانونية، بل يجب أن يُدار في إطار مؤسساتي شفاف ومسؤول، قوامه الشراكة القانونية، والرقابة المالية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.